يُعد بكاء الأطفال جزءًا طبيعيًا وأساسيًا من مرحلة الطفولة، وهو أحد أهم أشكال التواصل وأكثرها فعاليَّة بالنسبة لهم. وعلى الرغم من شيوع هذا الأمر، إلا أنَّ الكثير من الآباء قد يجدون أنّ التعامل مع طفل يبكي هو أمر مُقلق ومُرهق للأعصاب في كثيرٍ من الأحيان. في الواقع، يُمكن لصوت بكاء الأطفال أن يثير مجموعة من الاستجابات العاطفية لدى الآباء، بدءًا من التعاطف والقلق وحتى الغضب والإحباط.
وبالتالي، فإنّ تعلُّم بعض الاستراتيجيَّات الفعَّالة لتهدئة الطفل الذي يبكي ودعمه عاطفيًا يُمكن أن يُسهّل الأمر كثيرًا ويُحوِّل هذه اللحظات الصعبة إلى فرص لتقوية العلاقة بين الآباء والأطفال. في هذا المقال، سوف نُقدّم 5 أساليب تم إثبات فعاليّتها علميًا في تهدئة الطفل الذي يبكي، والتي تتناسب مع مُختلف الفئات العمرية ومُختلف المواقف. وفي النهاية، سيكون لديك فهم أعمق للأبعاد المُختلفة لبكاء الأطفال وستكون مستعدًا للتعامل بشكلٍ أفضل مع هذه المواقف بثقةٍ وتعاطف.
5 نصائح للتعامل مع بكاء الأطفال
1. كن هادئًا
قد يكون تحمُّل بكاء الأطفال أمرًا صعبًا، لكنَّ الحفاظ على الهدوء هو أمر ضروري للتعامل مع هذا الأمر. بغض النظر عمَّا إذا بدأ طفلك في البكاء في المنزل أو في أحد الأماكن العامَّة، فإنَّ أفضل شيء يُمكنك القيام به هو التزام الهدوء لمُساعدته في التغلب على مشاعره. فعلى أي حال، تحتاج تلك الدموع إلى الخروج ويجب أن تكون أنت الملاذ الآمن لخروجها.
سيتيح لك الحفاظ على الهدوء تقييم الموقف بشكلٍ أكثر فعاليَّة واستيعاب طفلك بدلاً من الرد بعصبيّة. غالبًا ما يبكي الأطفال لأسباب مختلفة: قد يكونون متعبين، أو جائعين، أو مُحبطين، أو خائفين، أو ببساطة يبحثون عن الاهتمام. ولن يُمكنك النظر في كل هذه الاحتمالات ومعالجة السبب وراءها إلا من خلال التحلي بالهدوء.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأطفال لديهم درجة عالية من الإدراك، حيث يُمكنهم الشعور عندما يكون البالغون متوترين أو مضطربين، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشاعرهم. ومن خلال التزامك بالهدوء، فإنَّك تمنح شعورًا لا إراديًا للطفل بالاستقرار والأمان، مما يُسهِّل عليه تنظيم مشاعره في نهاية الأمر.
لا شكّ أنّه قد يكون من الصعب عليك اتباع هذه النصيحة، خاصةً إذا كُنت متعبًا أو مُتوترًا، لكن تأكّد أنّ الأمر يستحق!
اقرأ أيضًا: استخدام الذكاء الاصطناعي في تربية الأطفال: نصائح عملية للآباء المعاصرين
2. لا تُجبره على التوقُّف عن البكاء
عندما تواجه طفلاً يبكي، فمن الطبيعي أن ترغب في توقُّفه عن البكاء بسرعة. ومع ذلك، فإنّ من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض الآباء هي إخبار الطفل أن يتوقّف عن البكاء فورًا أو أي عبارات مشابهة لمنعه من البكاء. إنَّ مطالبة طفلك بالتوقف عن البكاء يُشبه تمامًا مطالبته بالتوقف عن الرغبة في الحصول على الكعكة اللذيذة التي يرغب في تناولها! ورغم أنَّ هذا الأسلوب قد يبدو حسن النيَّة، إلا أنَّه ليس مفيدًا على الإطلاق ومن المُمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسيّة.
تذكّر دومًا أنّ بكاء الأطفال هو وسيلة طبيعيَّة وصحيَّة للتعبير عن أنفسهم عندما يشعرون بالانزعاج أو الإرهاق أو الشعور بعدم الراحة في المُطلق. من خلال تجاهل بكائهم وأمرهم بالتوقُّف، فإنّك تُشير عن غير قصد إلى أنَّ مشاعرهم ليست مهمة. ويُمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتباك الطفل أو شعوره بالإحباط، مما قد يؤدي بدوره إلى إطالة نوبة البكاء أكثر.
لذلك، بدلاً من إخبار الطفل بالتوقف عن البكاء، هناك أشياء أفضل بكثير يمكنك قولها لمساعدته على الهدوء. ابدأ بالنزول إلى مستوى عينه، وقم بعمل تواصل بصري لطيف، واستخدام نبرة صوت هادئة. بعد ذلك، يُمكنك توفير الطمأنينة والدعم له وإخباره بأنّك موجود لمساعدته كما سنذكر في الخطوات التالية.
اطّلِع أيضًا: أفضل كتب الأنشطة لمساعدة أطفالك على تنمية مهارات القراءة والكتابة والمزيد!
3. ساعده على التعبير عمّا بداخله
غالبًا ما يُعاني الأطفال من صعوبة في التعبيرعمّا بداخلهم من مشاعر أو حتى فهمها بشكلٍ كامل. لذلك، تُعد مساعدة طفلك في العثور على الكلمات التي تعبر عن مشاعره خطوة حاسمة لتعزيز التواصل الفعَّال بينكما وحثّه ليتوقّف عن البكاء. ومن خلال توجيهه للإفصاح عمّا بداخله، فإنَّك لا تساعده في التعبير العاطفي فحسب، بل تعلمه أيضًا مهارات قيِّمة عن الوعي الذاتي والتحكُّم في المشاعر.
أولًا، قم بإنشاء بيئة آمنة وداعمة حيث يشعر طفلك بالراحة في مشاركة مشاعره دون خوف منك. يُمكنك أن تقول شيئًا مثل: “لقد لاحظت أنك تبدو منزعجًا. هل يُمكنك أن تخبرني ما الذي يزعجك؟” أو “لا بأس أن تشعر بالحزن. هل ترغب في التحدث عمَّا حدث؟”
من المُهم أيضًا أن تشجِّع طفلك على استخدام اللغة الوصفيَّة للتعبير عن مشاعره، وساعده على تحديد وتصنيف مشاعر مُعيَّنة مثل الحزن أو الإحباط أو الغضب أو الخوف أو خيبة الأمل. على سبيل المثال، يُمكنك أن تطرح أسئلة مثل: “هل تشعر بالغضب لأن لعبتك انكسرت؟” أو “هل أنت حزين لأنك تفتقد صديقك؟” ومهما يكن، تجنَّب تمامًا تجاهل مشاعره أو التقليل من شأنها، حتى لو بدا لك الموقف تافهًا لا يستحق!
ومن خلال مُساعدة طفلك في العثور على الكلمات التي تُعبِّر عمّا يجري بداخله، فإنَّك تمكنه من التواصل والتحكُّم في عواطفه بشكلٍ أكثر فاعليّة. وبهذه الطريقة، فإنّك تضع حجر الأساس لطفلك للتعامل مع المُشكلات، والتحلي بالمرونة العاطفيَّة في المستقبل.
اقرأ أيضًا: تربية ذكية: أسرار تنمية مهارات طفلك وتعزيز قدراته
4. أظهر تفهمك
عندما يُعبِّر الأطفال عن مشاعرهم، سواءً من خلال البكاء أو الغضب أو الحزن، فمن الضروري الاعتراف بهذه المشاعر وتقبُّلها بدلاً من رفضها أو إنكارها. لذا بمُجرَّد أن تفهم ما يشعر به طفلك، تأكّد من صحة هذه المشاعر، وأظهر تفهمك لها. يتضمَّن ذلك التعاطف مع وجهة نظر الطفل، حتى لو كنت لا تتفق تمامًا معها أو ترى أنّها لا تستحق. على سبيل المثال، إذا كان طفلك منزعجًا لأن صديقه لم يرغب في اللعب معه، فيمكنك أن تقول: “أستطيع أن أرى أنك تشعر بالحزن الآن، فالأمر يكون صعبًا عندما لا يرغب الأصدقاء في اللعب”.
ولا يعني هذا بالضرورة الموافقة على سلوك الطفل أو التغاضي عنه، حيث يُمكنك إظهار تفهمك لمشاعر طفلك مع الاستمرار في وضع الحدود المناسبة أو معالجة السلوك بشكلٍ حازم. على سبيل المثال، إذا كان طفلك يبكي لأنه لم يحصل على ما يريد، يمكنك أن تقول له: “أتفهم أنَّك تشعر بالإحباط، لكنّك لن تحصل على هذا الشيء والبكاء ليس أمرًا مقبولًا. دعنا نجد طريقة مُختلفة لحل هذه المشكلة”.
بهذه الطريقة، ستُوصّل لطفلك أنَّ مشاعره مُهمَّة وتستحق الاهتمام – وهو الأمر الذي سينعكس بالإيجاب على نفسيّة الطفل أثناء لحظات الضيق أو البكاء – دون الاضطرار إلى تنفيذ كل ما يطلبه. ومع الوقت، ستضمن تقوية علاقتك بطفلك وبناء ما يكفي من الثقة لجعله يأتي إليك مع جميع مخاوفه ومشاعره في المستقبل.
استمع الآن: أناشيد تعليمية ومُمتعة لطفلك
5. الإلهاء بشيء يُحبه
إذا قمت بكل الحيل وما زال طفلك لا يهدأ، فقد يكون الوقت قد حان لإلهائه قليلاً. إنَّ جعل الطفل يتخلى عن سبب بكائه من خلال منحه شيئًا يحبه في المقابل يُمكن أن يكون وسيلة فعَّالة حقًا لمنعه من البكاء. من المُمكن أن يكون ذلك أي شيء يرغب فيه بدءًا من الخروج للعب أو تناول وجبة لذيذة.
ويُمثّل هذا النهج طريقة فعّالة لإظهار التعاطُف مع طفلك. فمن خلال تقديم شيء يحبه الطفل، فإنك تعترف بمعاناته وأنك موجود لدعمه. وفي حين أنَّ هذه الطريقة يمكن أن تكون مفيدة على المدى القصير، فمن المهم استخدامها بعناية للتأكُّد من أنَّها لا تجعل الطفل يعتمد على البكاء كوسيلة ضغط للحصول على مكافآت إضافيّة. ولمنع ذلك، عليك اللجوء إلى هذه الطريقة في النهاية إذا لم تكن الأساليب السابقة كافية في هذه الحالة.
بالإضافة إلى ذلك، تأكَّد من أن البدائل التي تُقدِّمها للطفل مناسبة ولا تعزز السلوكيات السلبيَّة عن غير قصد. على سبيل المثال، قد تكون زيادة وقت استخدام الهاتف الذكي في كل مرة يبكي فيها الطفل وسيلة جيدة لتهدئته في الوقت الحالي، ولكنَّها قد تؤدي إلى خرق وقت الشاشة المُحدّد مُسبقًا. بدلًا من ذلك، اختر خيارات صحيَّة أو أكثر حياديَّة، مثل لعبة مُفضَّلة أو زيارة للحديقة أو وجبة لذيذة.
اقرأ أيضًا: أساليب التربية الحديثة: كيف تربّي أطفالك بذكاء؟
6. تقديم الحلول إذا كان ذلك مُمكنًا
بعد أن قمت بتحديد سبب البكاء، وساعدت طفلك على التعبير عمّا بداخله بحريّة وأظهرت تفهمك لما يشعر به، يُمكنك الآن مُساعدته في العثور على حل. أشرك الطفل معك بطريقة هادئة وعاطفيَّة، وانزل قليلًا إلى مستوى تفكيره. على سبيل المثال، إذا قال الطفل: “أنا حزين لأنَّ صديقي لا يريد اللعب معي”، اسأله: “ما الذي يُمكنك فعله لتشعر بالتحسن؟” وإذا كان في حيرةٍ من أمره، فاقترح بعض الأشياء التي يُمكن أن تجعله يشعر بالارتياح مثل دعوة طفل آخر للعب.
ومع القليل من الممارسة، سيبدأ الطفل قريبًا في التوصُّل إلى حلول خاصة به دون أي مُساعدة منك. ويتمثّل الهدف من هذا الأمر في توفير خطوات صغيرة وقابلة للتنفيذ تعالج مشكلة الطفل وتُعلِّمه مواجهة التحديَّات المستقبليَّة بمفرده.
في بعض الأحيان، قد لا يؤدي الحل الأوّلي الذي قدمته إلى معالجة المشكلة بشكلٍ كامل، وقد تكون هناك حاجة إلى بعض المتابعة مع طفلك. لذلك، تحقَّق مع الطفل بعد مرور بعض الوقت لمعرفة ما يشعُر به وما إذا كان هناك أي شيء آخر يحتاجه. وتأكّد من أنّ هذا الدعم المُستمر سيقوي من علاقتكما أكثر مما قد تتوقّع!
اطّلِع أيضًا: القلم القارئ باللغتين العربية والإنجليزية
ختامًا، يُعد التعامل مع بكاء الأطفال جزءًا لا مفر منه من تجربة الأبوَّة والأمومة والذي قد يكون أمرًا مزعجًا بعض الشيء، ولكنَّه أيضًا أحد أهم الفرص لبناء علاقة قويَّة مبنية على الثقة مع الطفل. فبينما تتنقل بين الصعود والهبوط في علاقتك مع طفلك، تذكّر أن كل نوبة بكاء هي فرصة لتعميق اتصالك بطفلك، وبناء رابطة من شأنها أن تدعم نموه لسنوات قادمة.
خلال هذا المقال، استكشفنا استراتيجيَّات مُختلفة مصممة لمختلف الفئات العمرية والتي تُعد بمثابة أدوات لا تقدر بثمن للتعامل مع بكاء الطفل. ومن خلال اتّباع هذه الطرق، ستكون جاهزًا لتحويل هذه اللحظات العصيبة المُزعجة إلى فرص لتنمية الطفل نفسيًا وعاطفيًا.
وفي نهاية المطاف، تذكّر أنّ الأمر لا يقتصر على إيقاف بكاء الأطفال فحسب، بل فهم احتياجاتهم وتلبيتها، وتعزيز صحتهم العاطفية والنفسيّة بشكلٍ عام. من خلال التعامُل مع هذه اللحظات الصعبة بالفهم والرعاية، فإنَّك تساعد في وضع الأساس لطفل منضبط عاطفيًا ولا يعاني من أي تشوهات نفسيّة.
وأخيرًا، لا تتسَ الاشتراك في مدونتنا ليصلك كل ما هو جديد في عالم تربية الأطفال استنادًا على معايير التربية الحديثة المُعترف بها في علم نفس الأطفال. ولا تتردد كذلك في استعراض مقالاتنا السابقة ومشاركتها لتعم الفائدة.