في عصر تهيمن فيه الشاشات والجداول الزمنية المُزدحمة على حياتنا، أصبح ضمان حصول الأطفال على قسط كافٍ من النوم أمرًا صعبًا للغاية. وبالتالي، فإنَّ ترسيخ عادة النوم المُبكِّر للأطفال أصبحت أكثر أهميّة من أي وقتٍ مضى حيث يُمكن أن تؤدي إلى فوائد كبيرة تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد ليلة مريحة. من تعزيز التطور المعرفي والأداء الأكاديمي إلى تعزيز المرونة العاطفيَّة والصحة البدنيَّة، تعد مزايا النوم المبكر أمرًا بالغ الأهمية لنمو الطفل ورفاهيته بشكل عام. 

في هذا المقال، نستكشف الفوائد الكثيرة التي تنتج عن النوم مبكرًا للأطفال، ونُسلِّط الضوء على سبب ضرورة إعطاء الآباء الأولويَّة لهذا الجانب الأساسي من روتين أطفالهم اليومي.

أولًا: فوائد النوم المبكر للصحة الجسديّة

1. تعزيز النمو الجسدي

يُعد هرمون النمو (GH) ضروريًا للنمو البدني للأطفال، فهو يُحفِّز نمو العظام والأنسجة والعضلات، ويُساعد الجسم على الاستفادة من البروتينات والكربوهيدرات والدهون. ويبلغ إفراز هرمون النمو ذروته أثناء الجزء الأول من الليل. ولذلك، فالأطفال الذين يذهبون إلى الفراش مبكرًا ويحصلون على ليلة نوم كاملة هم أكثر عرضةً لإطلاق هرمون النمو بشكل مثالي. وعلى العكس، يُمكن أن يؤدي النوم المُتأخّر إلى تعطيل إفراز هرمون النمو، مما قد يؤدي إلى تأخُّر النمو البدني.

بالإضافة إلى ذلك، يُعد النوم مبكرًا أمرًا حيويًا لتقوية الجهاز المناعي لدى الطفل. فقد أثبتت الدراسات أنّ الأطفال الذين ينامون مبكرًا أقل عرضةً للإصابة بالأمراض بشكلٍ مُتكرِّر مقارنةً بالذين يسهرون لساعات مُتأخرة من الليل.

اقرأ أيضًا: الأجهزة الذكية والأطفال: الموازنة بين الفوائد والمخاطر

2. ضبط الوزن

يُؤثِّر النوم على الهرمونات التي تنظم الجوع والشبع، مثل هرمون الليبتين والجريلين، حيث يرسل اللبتين إشارات إلى الدماغ عندما يكون الجسم ممتلئًا، بينما يحفز الجريلين الشهيَّة. وقد يؤدي النوم في وقتٍ مُتأخر أو عدم أخذ القسط الكافي من النوم إلى زيادة مستويات هرمون الجريلين وتقليل مستويات هرمون الليبتين في الجسم، مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالجوع والإفراط في تناول الطعام. وبالطبع يُمكن أن يُسبّب هذا الخلل الهرموني الناتج عن النوم المُتأخِّر زيادة الوزن مما بدوره يزيد من خطر السمنة لدى الأطفال.

علاوةً على ذلك، يُساعد النوم المُبكّر والمتواصل في الحفاظ على وزن صحِّي من خلال تعزيز عملية التمثيل الغذائي المتوازن. لذلك، يكون الأطفال الذين ينامون مبكرًا أفضل في تنظيم السعرات الحرارية التي يتناولونها. 

أضف إلى ذلك أنّ الأطفال الذين يذهبون إلى الفراش في وقت متأخر عادةً ما يكون لديهم عادات غذائيَّة سيئة حيث يكون مؤشر كتلة الجسم (BMI) أعلى مقارنةً بأولئك الذين ينامون في وقت مبكر. في الواقع، أثبتت إحدى الدراسات التي نُشرت في المكتبة الوطنيّة للطب أن الأطفال الذين ذهبوا إلى الفراش في وقت متأخر كانوا أكثر عرضة بنسبة 1.5 مرة للإصابة بالسمنة وأكثر عرضة بنسبة 2.9 مرة لعدم النشاط البدني.

استمع الآن: أناشيد تعليمية ومُمتعة لطفلك

ثانيًا: فوائد النوم المبكر للصحة العقليّة

3. تعزيز الوظائف المعرفيّة

يُمكن أن يكون لوقت النوم المبكر الكثير من الفوائد لصحة طفلك العقليَّة، حيث يلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الوظائف المعرفيَّة للطفل مثل التفكير والاستدلال وحل المشكلات وغيرها، كما يضمن قدرة الطفل على معالجة المعلومات الجديدة بفعاليَّة. طبقًا لدراسة حديثة، فإنّ الأطفال الذين ينامون مبكرًا يتمتَّعون بوظائف إدراكيّة ولغويَّة أفضل من قرنائهم الذين ينامون مُتأخرًا.

وفي إحدى الدراسات الأخرى، قارن العلماء أدمغة الأطفال الذين ذهبوا إلى الفراش بعد الساعة 10 مساءً – وحصلوا على قيلولة نهاريَّة أطول – مع أدمغة أولئك الذين ناموا في وقتٍ مُبكّر. وقد توصّلوا إلى أنَّ وقت النوم المبكر ساعد بشكلٍ كبير في تعزيز نمو الخلايا والناقلات العصبيّة بمُعدّل أكبر، وهو الأمر الذي ينعكس إيجابًا على الكفاءة في أداء جميع المهام العقليّة التي نقوم بها.

اقرأ أيضًا: تربية ذكية: أسرار تنمية مهارات طفلك وتعزيز قدراته

4. الانتباه والتركيز

يُعزّز النوم المُبكّر من قدرة الطفل على الانتباه والتركيز على المهام لفترات طويلة، وهو الأمر الذي ينعكس بشكلٍ مُباشر على الأداء الأكاديمي للطفل. فالأطفال الذين يبدأون دورة النوم في أوّل الليل غالبًا ما يكونون أقل عرضةً للتشتُّت وفقدان التركيز بسهولة بواسطة أي مُلهيات خارجيّة، مما يُمكِّنهم من الاستمرار في المشاركة بفعاليّة في يومهم الدراسي.

أظهرت إحدى الدراسات أنَّ تأخير ساعة واحدة من النوم في الليلة كان كافيًا لتقليل القدرة على التركيز خلال اليوم التالي لطفل يبلغ من العمر 12 عامًا مقارنةً بطفل يبلغ من العمر 9 أعوام سبقه في النوم بساعة. ووفقًا لدراسة أخرى تم نشرها في مجلّة أبحاث النوم، كلما تأخّر نوم الأطفال، كلما كانت درجاته الدراسيّة أسوأ في المتوسط.

وقد أثبتت النتائج أيضًا أنَّ هناك علاقة مباشرة بين تبكير النوم والاستقرار العاطفي، مما بدوره يُقّلل من الشرود الذهني والتفكير المُشتّت لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 إلى 11 عامًا أثناء التواجد في الفصل الدراسي.

اطّلِع أيضًا: القلم القارئ باللغتين العربية والإنجليزية

ثالثًا: فوائد النوم المبكر العاطفيّة والسلوكيّة

5. تنظيم الحالة المزاجيّة

يعرف أي والد/ة أنّه عندما يشعر الأطفال بالتعب، فإنَّهم يصبحون مُتعبين وغريبي الأطوار قليلاً، ولا يوجد متعة في التواجد حولهم، ويُثبت العلم هذا أيضًا! فغالبًا ما يكون الأطفال الذين يخلدون إلى النوم مُبكرًا أكثر قدرة على تنظيم عواطفهم، حيث يميلون إلى التمتُّع بمزاج أكثر استقرارًا، ويعانون من تقلُّبات مزاجية ونوبات عاطفيَّة أقل. وعلى العكس، فإنّ الأطفال الذين يسهرون لساعات مُتأخرة من الليل غالبًا ما يظهرون تقلُّبات مزاجيّة حادّة.

عندما يُفوّت الطفل موعد نومه في وقتً مُبكّّر، يبدأ جسمه في ضخ الهرمونات المُحفِّزة مثل الأدرينالين والكورتيزول لإبقائه مستيقظًا طوال الليل، وعندئذٍ لن يكون من السهل جعله ينام مع وجود هذه الهرمونات المحفزة في الجسم. وبالطبع يتسبَّب هذا الأمر في  العديد من الآثار الجانبيَّة السيئة على حالة الطفل العاطفيّة مثل العصبيَّة، ونوبات الغضب، والشجار مع الإخوة، وغيرها من مشاكل السلوك. وبالتالي، فإنّ نوم طفلك قبل أن يصل إلى هذه المرحلة يمكن أن يساعد في تقليل كل هذه السلوكيّات أثناء اليوم بشكلٍ كبير.

اقرأ أيضًا: أفضل الاستراتيجيات للتعليم المنزلي الفعال: دليل الوالدين لتعليم الأطفال من المنزل

كيفيّة عمل جدول نوم مثالي لطفلك

كما ذكرنا، فالنوم مبكرًا يُعد أمرًا حيويًا لنمو الطفل. ولكن، ما هو تحديدًا الوقت المُبكّر الذي يجب على الطفل النوم فيه؟ وما مقدار النوم الذي يجب أن يحصل عليه طفلك بشكلٍ مثالي حتى يحصل على قسط كافٍ من النوم؟ فيما يلي بعض النصائح حول ضبط جدول النوم لطفلك وفقًا لعمره.

الأطفال الصغار: من سنة إلى سنتين

يجب أن يحصل الطفل في هذا العمر على ما بين 11 إلى 14 ساعة من النوم كل يوم، من بينها حوالي ساعة أو ساعتين يقضيها في القيلولة. قد يبدأ الطفل في هذه المرحلة بغفوتين في اليوم، ولكن في وقت لاحق، قد يتخطى قيلولته الصباحيَّة تمامًا ويأخذ قيلولة قصيرة في فترة ما بعد الظهر. وفيما يلي بعض الأرقام الهامّة بشأن جدول النوم للأطفال في هذه الفئة العمريّة:

  • وقت النوم المثالي: بين الساعة 6:30 مساءً و8:00 مساءً.
  • وقت الاستيقاظ المثالي: بين الساعة 6:00 صباحًا و 8:00 صباحًا.
  • عدد ساعات النوم المطلوبة ليلاً: من 10 إلى 12 ساعة.
  • القيلولة: من قيلولة إلى اثنتين خلال النهار، بمجموع من ساعة إلى 3 ساعات.

مرحلة ما قبل المدرسة: 3-5 سنوات

يجب أن يحصل الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة على حوالي 10-13 ساعة من النوم يوميًا، وفقًا لإرشادات مؤسسة النوم الوطنيّة. خلال هذا الوقت، قد تصبح القيلولة أقصر، أو قد يتخطى طفلك النشيط الذي يمارس الرياضة القيلولة تمامًا. وفيما يلي بعض الأرقام الهامّة بشأن جدول النوم للأطفال في هذه الفئة العمريّة:

  • وقت النوم المثالي: بين الساعة 7:00 مساءً و8:30 مساءً.
  • وقت الاستيقاظ: بين الساعة 6:00 صباحًا و 8:00 صباحًا.
  • عدد ساعات النوم المطلوبة ليلاً: من 10 إلى 12 ساعة.
  • القيلولة: غالبًا ما يتم تقليلها إلى قيلولة واحدة، أو تخطيها تمامًا في سن الخامسة.

خلال هذه الفترة، ينتقل العديد من الأطفال من القيلولة إلى القدرة على البقاء مستيقظين طوال اليوم. وبالتالي، يُعد الحفاظ على جدول نوم ثابت أمرًا بالغ الأهميَّة لضمان حصولهم على قسط كافٍ من الراحة.

الأطفال في سن المدرسة: 6-13 سنة

تنصح مؤسسة النوم الوطنية الأطفال في سن المدرسة بالحصول على حوالي 9-11 ساعة من النوم كل ليلة. ونظرًا لأنّ أعمار الأطفال في سن المدرسة تشمل نطاقًا واسعًا، يُمكن أن تختلف احتياجات النوم الفردية لكل طفل. بشكل عام، يحتاج الأطفال الأصغر سنًا إلى نوم أكثر من الأطفال الأكبر سنًا. وفيما يلي بعض الأرقام الهامّة بشأن جدول النوم للأطفال في هذه الفئة العمريّة:

  • وقت النوم المثالي:
    • للأطفال الصغار (6-7 سنوات): بين الساعة 7:00 مساءً و 9:00 مساءً.
    • للأطفال الأكبر سنًا (8-13 سنة): بين الساعة 8:00 مساءً و 9:30 مساءً.
  • وقت الاستيقاظ: بين الساعة 6:00 صباحًا و8:00 صباحًا.
  • عدد ساعات النوم المطلوبة ليلاً: من 9 إلى 11 ساعة.
  • القيلولة: بشكل عام، لا يحتاج الأطفال في هذه الفئة العمرية إلى القيلولة.

اغرس حب القراءة مبكرًا في طفلك مع كتب التعليم المبكر ورياض الأطفال

في الختام، فإن فوائد النوم مبكرًا للأطفال عديدة، وتُؤثِّر على كل جانب من جوانب نموهم وحياتهم اليومية. إنَّ إعطاء الأولوية لأوقات النوم المبكرة يمكن أن يؤدي إلى تحسين الوظيفة الإدراكية، وتحسين الأداء الأكاديمي والانتباه والتركيز، وتعزيز الاستقرار العاطفي والحالة المزاجيّة، وتوفير صحة بدنية أقوى للطفل.

ومن خلال عمل جدول نوم لطفلك كما هو مُوضّح في المقال، فلن نبالغ إذا قلنا أنّك بذلك تكون قد وضعت حجر الأساس لحياة مثاليّة مليئة بالصحّة والنشاط والاستقرار النفسي والعاطفي لطفلك. وأخيرًا، لا تنسَ الاشتراك في مدونتنا ليصلك كل ما يتعلّق

المصادر: ncbi، sciencedaily، kingofsleep، mumsatthetable، ohbabyconsulting، leesa

Last Update: 26 يونيو 2024