قد يكون التعامل مع الطفل العصبي تجربة شاقَّة ومُرهقة نفسيًا للآباء، ولكن من المُهم أن نُدرك أنّنا جميعًا نشعر بالغضب في بعض الأحيان. فالغضب هو علامة على أنَّ شيئًا ما ليس على ما يرام معنا مما يمنحنا الفرصة لتغييره للوصول إلى حياة أكثر هدوءً وراحة. يُمكن أن يظهر الغضب لأسباب مُختلفة عند الأطفال، خاصةً عندما يكونون مُتعبين أو يشعرون بالتوتُّر. إنَّه أيضًا رد فعل شائع للمواقف التي تبدو غير عادلة أو غير آمنة أو خارجة عن سيطرتهم.
أضف إلى ذلك أنّ الأطفال لا يعرفون بعد كيفيَّة التعامل مع مشاعرهم السلبيّة، ولم يتعلموا مهارات مثل حل المشكلات. وفي بعض الأحيان، قد تكون مشاكل الغضب لدى الأطفال ناجمة عن مشكلة أخرى تحتاج إلى علاج مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو القلق أو صعوبات التعلُّم أو مشكلات المعالجة الحسية وغيرها.
في جميع الأحوال، يُعد الغضب شعورًا طبيعيًا، ولكن عندما يصبح أمرًا مُتكررًا في حياة الطفل اليوميَّة، فإنَّه يُمكن أن يؤثر على الانسجام الأسري، وعلى تفاعلات الطفل الاجتماعيَّة، ويعوق نموه النفسي والعاطفي، وهنا يجب التدخُّل!
لذلك، يُعد فهم الأسباب التي تدفع الطفل العصبي للغضب باستمرار وتنفيذ استراتيجيَّات فعالة للتحكُّم فيه أمرًا بالغ الأهميَّة للحفاظ على الصحة النفسيّة للطفل ومنع أي تشوهات نفسيّة مُحتملة في المُستقبل. في هذا المقال، نُقدّم لك بعض النصائح الفعّالة لمساعدتك على التعامل مع طفلك العصبي وتحسين سلوكه والتخلُّص من عصبيّته المُفرطة.
اقرأ أيضًا: أساليب التربية الحديثة: كيف تربّي أطفالك بذكاء؟
نصائح للتعامل مع الطفل العصبي
يجب أن تأخذ في الاعتبار أنّ رد فعلك المبدئي على سلوك الطفل العصبي سيكون له تأثير كبير على ما إذا كان سيستمر في التصرُّف بنفس الطريقة أم سيتعلَّم كيفيّة التحكم في غضبه وإظهار سلوك أكثر هدوءً واحترامًا. لذلك، عندما يُظهر طفلك سلوكًا غاضبًا، فإنّ أوّل ما يجب عليك فعله هو:
1. كن هادئًا
عند مواجهة طفل غاضب، من السهل أن تشعر بالغضب وفقدان السيطرة على نفسك، حيث لا تلبث أن تجد نفسك تبدأ بالصراخ عليه أنت أيضًا. لكن عندما تصرخ، تُصبح فرصتك في التواصل مع طفلك وفهم ما يشعر به أقل بكثير. لذلك، تجنَّب إظهار رد فعل غاضب من جانبك أنت أيضًا، حيث من المُرجَّح أن يؤدي هذا إلى تفاقم الوضع وزيادة عصبيّة الطفل أكثر.
على الرغم من صعوبة الأمر، إذا تمكنت من الحفاظ على هدوئك والتحكم في أعصابك، فيُمكنك أن تكون نموذجًا لطفلك لتشجيعه أن يفعل الشيء نفسه. حاول قدر المُستطاع أن تبقى مُسترخيًا، واستخدم صوتًا هادئًا ولغة جسد منفتحة، وركّز على فهم ما يريده الطفل.
استمع الآن: أناشيد تعليمية ومُمتعة لطفلك
2. لا تستسلم لرغبات الطفل
لا يُعد الاستسلام لرغبات الطفل العصبي عندما يكون غاضبًا لمُجرَّد جعله يهدأ استراتيجيَّة تربوية فعالة. في حين أنَّه قد يوفر راحة مؤقتة ويسترضي الطفل في الوقت الحالي، إلا أنَّه يُمكن أن يعزز أنماط السلوك السلبيَّة لدى الطفل ويعلمه أن الغضب هو وسيلة مقبولة للحصول على ما يريد.
فعندما يتعلم الطفل أنَّ التعبير عن الغضب أو الإصابة بنوبة غضب يؤدي إلى حصوله على ما يريد، فإنَّه يكون أكثر عرضة لتكرار هذا السلوك في المستقبل.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الأطفال إلى تعلُّم كيفيّة التحكُّم في عواطفهم عندما يشعرون بالغضب. لكن من خلال السماح لهم بالحصول على ما يريدون عندما يكونون غاضبين، فإنَّك تفوت عليهم هذه الفرصة لتعلُّم كيفيّة التحكُّم في الغضب. أما إذا استسلمت لمطالب طفلك عندما يكون غاضبًا ولكنَّك فرضت القواعد والحدود في أوقات أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى إرباكه بشأن السلوك المقبول. وقد يُصبح أكثر تطلبًا واستحقاقًا، عندما يعلم أنَّ نوبات غضبه تتم مكافأتها في بعض الحالات.
اقرأ أيضًا: أهمية اللعب في تنمية مهارات أطفالنا وذكائهم
3. تحقق من مشاعره
إنَّ التحقُّق من مشاعر الطفل العصبي يعني الاعتراف بمشاعره وقبولها باعتبارها حقيقيَّة ومفهومة، حتى لو لم تكن بالضرورة صائبة، ولا شكّ أنّ هذا الأمر يُمثّل جانبًا مُهمًا من الدعم العاطفي للطفل. انتبه تمامًا لطفلك عندما يعبر عن مشاعره وحافظ على التواصل البصري، وأعطِ إشارات غير لفظيَّة لإظهار أنك تستمع بنشاط، مثل الإيماء برأسك أو قول “أنا أفهم”.
يُمكنك أيضًا أن تُكرِّر أو تُعيد صياغة كلمات طفلك لإظهار أنك تفهم ما يشعر به. على سبيل المثال، إذا قال طفلك: “أنا غاضب جدًا لأني أريد أن استخدم هاتفي الذكي”، يُمكنك الرد بـ “يبدو أنك غاضب حقًا لأنّك تشعر بالملل وأنا أتفهّم هذا”.
من المُهم أيضًا أن تضع نفسك مكان طفلك وتحاول فهم وجهة نظره من خلال التعبير عن تعاطفك معه بقول أشياء مثل: “أستطيع أن أرى السبب وراء شعورك بالإحباط” أو “لا بد أن الأمر كان مخيبًا للآمال بالنسبة لك”.
وفي جميع الأحوال، لا تتجاهل مشاعر طفلك مطلقًا أو تُقلِّل من شأنها، حتى لو كنت تعتقد أن رد فعله غير متناسب مع الموقف. عبارات مثل “أنت تبالغ في رد فعلك” أو “الأمر ليس بالأمر الكبير” يُمكن أن تزيد الأمر سوءًا. بدلًا من ذلك، ركز على فهم مشاعره دون إصدار أي أحكام.
اطّلِع أيضًا: زين غرف أطفالك واجعل التعلم ممتعًا مع جداولنا التعليمية الملونة
4. تصرّف بلطف
حتى تبدأ هذه الخطوة، يجب عليك أولًا أن تتحكّم في مشاعرك بشكلٍ كبير عندما يكون طفلك غاضبًا. إنَّ أخذ نفس عميق أو العد إلى عشرة أو الابتعاد للحظات لتجميع شتات نفسك يُمكن أن يكون بداية جيدة للبدء في تنفيذ هذه النصيحة.
بعد ذلك، احرص على التحدُّث بنبرة لطيفة، حيث يُمكن أن يساعد الصوت الهادئ واللطيف في تهدئة عصبيّة الطفل. تجنَّب الصراخ أو استخدام الكلمات القاسية، لأنها قد تؤدي إلى تصعيد غضبه وجعل الوضع أسوأ. امنح طفلك اهتمامك الكامل واستمع بفعالية إلى ما سيقوله، وشجعه على التعبير عمّا بداخله وأظهر اهتمام حقيقي بفهم وجهة نظره.
بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن تكون اللمسة الجسديَّة الحنونة سببًا هامًا لتهدئة الطفل الغاضب، فالتواصل الجسدي ينقل الشعور بالحب والدعم ويساعد على الشعور بالأمان . لذلك، يُمكنك معانقته أو إمساك يده أو الربت على ظهره بلطف لتوفير الراحة والطمأنينة.
اقرأ أيضًا: أفضل 15 لعبة في المنزل للأطفال لزيادة نشاطهم وإبداعهم
5. ابدأ النقاش
بمُجرَّد أن يبدأ الطفل الغاضب في الشعور بالهدوء قليلًا، فقد حان وقت خوض مناقشة صغيرة معه حول الأشياء التي تُزعجه. أثناء المحادثة، دعه يعرف مرةً أخرى أنَّه على الرغم من أن الغضب أمر طبيعي، إلا أنه ليس من المقبول كسر الأشياء أو الصراخ.
شجِّع الطفل على التعبير عن مشاعره وأفكاره من خلال طرح أسئلة مفتوحة، مما بدوره سيساعده على توضيح الخطأ بشكلٍ أكثر وضوحًا. على سبيل المثال، يُمكنك أن تقول: “هل يمكنك أن تخبرني ما الذي جعلك تشعر بالغضب؟” أو “ماذا حدث قبل أن تبدأ بالشعور بهذه الطريقة؟”
وبلطفٍ، قم بتوجيه الطفل لتحديد المشكلة الأساسيَّة بنفسه. في بعض الأحيان، قد لا يفهم الأطفال تمامًا ما يزعجهم حتى يتحدثوا عنه. يُمكنك على سبيل المثال أن تقول: “إذَا، يبدو أنك منزعج لأنك شعرت بالإهمال عندما كان الجميع يلعبون معًا. هل هذا صحيح؟”
اطّلِع أيضًا: القلم القارئ باللغتين العربية والإنجليزية
تحديد مدى قوّة نوبة الغضب
تعتمد كيفية استجابتك لنوبة الغضب لدى طفلك على مدى شدتها. القاعدة الأولى في التعامل مع نوبات الغضب غير العنيفة هي تجاهلها قدر الإمكان، حيث إنَّ التجاهل في هذه الحالة قد يكون وسيلة فعّالة لإقناع الطفل العصبي أنّ الغضب والعصبيّة لن يجديا نفعًا.
ولكن عندما يتصاعد الأمر ويصل إلى الصراخ الشديد أو تكسير الأشياء من حوله، لا يُنصح بالتجاهل على الإطلاق لأنَّه قد يؤدي إلى الكثير من الأضرار النفسيّة لطفلك. في هذه الحالة، يُنصح بتطبيق الاستراتيجيّات المذكورة سابقًا. أما إذا كانت هذه النصائح لا تُجدي نفعًا، فيُمكنك وضع الطفل الغاضب في بيئة آمنة لا تتيح له الوصول إليك أو إلى أي مكافآت مُحتملة أخرى.
قد يبدو الأمر قاسيًا أو قد يتسبب في عزلة عاطفيَّة للأطفال، لكنّ الأبحاث تُظهر أنَّ هذه الطريقة فعَّالة ولا تسبب ضررًا للأطفال. ومع ذلك، من المهم جدًا استخدامها فقط عندما لا تنجح الاستراتيجيّات السابقة. من المُهم أيضًا أن تتأكَّد من تحقيق التوازن بين عزل طفلك عندما يظهر سلوكًا عصبيًا وبين أن تُثني على سلوكيّاته الإيجابيّة بعد ذلك.
إذا كان الطفل صغيرًا – عادةً بعمر 7 سنوات أو أقل – فحاول وضعه على الكرسي المخصص له. إذا لم يرغب في البقاء على الكرسي، فخذه إلى مكان بالبيت حيث يُمكنه أن يهدأ بمفرده دون وجود أي شخص آخر في الغرفة. مرةً أخرى، لكي ينجح هذا النهج، لا ينبغي أن يكون هناك أي ألعاب في المكان.
يجب أن يبقى طفلك في تلك الغرفة لمدة دقيقة واحدة على الأقل، ويجب أن يكون قد هدأ بالفعل قبل السماح له بالخروج. طبقًا لخبراء علم نفس الطفل، ما يفعله هذا الأمر هو أنَّه يمنح طفلك نتيجة فوريَّة لتبعات غضبه أو سلوكه العدواني ويزيل كل إمكانيَّة للوصول إلى الأشياء التي يُحبها. وبذلك، سيُدرك الطفل في عقله الباطن أنّ الغضب لا يُحل المشاكل أو يُحقق له ما يريد، بل على العكس فإنّه يؤدي به إلى العقاب والحرمان من ألعابه.
اقرأ أيضًا: تربية ذكية: أسرار تنمية مهارات طفلك وتعزيز قدراته
ختامًا، يُعد التعامل مع الطفل العصبي بمثابة تحدي يتطلّب التحلي بالصبر والتفهُّم والهدوء. وكأي مرض، يجب البحث عن الأسباب الجذريّة وراء هذا المرض ومعالجتها بدلًا مُجرَّد الاستجابة للأعراض. إنَّ خلق بيئة آمنة للطفل حيث يُمكنه التعبير بوضوح عمّا بداخله وتقبُّل مشاعره دون إصدار أحكام هو الخطوة الأولى للتقليل من نوبات الغضب لديه.
ومن خلال اتّباع النصائح المذكورة في هذا المقال، يُمكن أن تُمكِّن الطفل الغاضب من إيجاد طرق بناءة للتعامل مع مشاعره، بدلًا من إظهارها في صورة غضب.
ومع ذلك، على الرغم من بذل أفضل الجهود، قد يستمر بعض الأطفال في المعاناة من الغضب المستمر بسبب مشاكل نفسيَّة أعمق. في مثل هذه الحالات، من الضروري طلب المساعدة المهنيَّة من طبيب نفسي مُختص حتى يتمكّن من اكتشاف أي مشكلات نفسيّة في بدايتها وعمل خطة علاجيّة مُصممة خصيصًا لتلبية احتياجات طفلك، مما يضمن حصوله على الدعم اللازم لسلامته العاطفيَّة.
وأخيرًا، لا تنسَ الاشتراك في مدونتنا لتصلك مقالاتنا الجديدة عن التربية الحديثة للأطفال أولًا بأوّل، ولا تتردد كذلك في مشاركتها لتعم الفائدة!
المصادر: ncbi، youngminds، childmind