لا شكّ أنّ الإبداع أصبح مهارة حيويّة لا غنى عنها في وقتنا الحالي وسببًا هامًا للتفوُّق في مختلف المجالات. وبالتالي، تزداد أهميّة تنمية الإبداع عند الأطفال يومًا بعد يوم، حيث لم تعد تقل أهميةً عن تعليمهم العلوم المُختلفة كالبرمجة والرياضيّات وغيرها. ومن بين الكثير من السبل، يأتي الرسم كأحد أهم وسائل تنمية المهارات الابداعية للأطفال.

لا يُعد الرسم مُجرّد وسيلة للترفيه والتسلية فحسب، بل يعزز أيضًا مجموعة واسعة من المهارات المعرفيَّة والعاطفيَّة لدى الأطفال. من تعزيز التفكير النقدي إلى تحفيز الخيال، يوفر الرسم فرصة فريدة للأطفال للاستكشاف والتجربة وتطوير قدراتهم الإبداعيَّة. 

في هذا المقال، نتعمَّق في الإمكانات الهائلة للرسم كوسيلة لتعزيز وتطوير المهارات الإبداعيَّة لدى الأطفال. سوف نستكشف الطرق المختلفة التي يغذي بها الرسم الخيال، والتعلُّم، والتفكير الإبداعي والمنطقي، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تمكين الأطفال من إطلاق العنان لإمكاناتهم الإبداعية ليصبحوا أشخاصًا أكثر نجاحًا في حياتهم المهنيّة وأكبر تأثيرًا في محيطهم.

أهميّة الرسم في تنمية المهارات الإبداعية للأطفال

تنمية المهارات الإبداعية للأطفال

1. تعزيز الخيال

يُتيح الرسم للأطفال إطلاق العنان لخيالهم بلا أي حدود، مما يمنحهم الحريَّة في اختراع عوالم وشخصيات وقصص جديدة. عندما ينخرط الأطفال في الرسم، فإنَّهم غالبًا ما يخلطون الواقع مع الخيال، وهو الأمر الذي لا غنى عنه لتنمية الإبداع لديهم وتنمية قدرتهم على توليد الأفكار الفريدة والمُبتكرة في المستقبل. 

بالإضافة إلى ذلك، يُساعد الرسم الأطفال على فهم مفهوم التمثيل الرمزي، حيث يتعلَّمون أن الخط أو الشكل البسيط يُمكن أن يمثل شيئًا أو فكرة أو يساهم في إحداث تغيير. وبالطبع يثير هذا الفهم خيالهم لاستكشاف طرق مختلفة لتمثيل الأشياء ويُشجِّع التفكير المجرد.

أضف إلى ذلك أنّه عندما يرسم الأطفال، فإنّهم يحتاجون إلى تصوُّر ما يريدون رسمه على الورق. إنَّ عملية تصوُّر الأفكار هذه وترجمتها إلى رسومات تساهم بشكلٍ كبير في تدريب خيالهم وتقوية قدرتهم على تصوُّر المفاهيم والأشياء عقليًا.

اطّلِع أيضًا: مجموعة من أفضل الكتب التعليميّة لطفلك

2. تحسين المهارات الحركيَّة الدقيقة

طفلة تقوم بالرسم

يبدأ مُعظم الأطفال في رسم رسوماتهم العشوائيّة الأولى بين عمر 12 و18 شهرًا، على الرغم من عدم وجود سبب يمنع تشجيعهم على التقاط قلم التلوين والبدء في الرسم على الورق في وقت أقرب من ذلك. ويتطلَّب الرسم من الأطفال تنسيق حركات أيديهم مع ما يرونه على الورقة. ومن خلال ممارسة هذا التنسيق، فإنهم يُحسِّنون قدرتهم على التحكم في حركات أيديهم ويطورون تنسيقًا أفضل بين اليد والعين، وهو الأمر الذي يساعد على  تنمية المهارات الإبداعية للأطفال.

كما يُشجِّع الرسم الأطفال على القيام بحركات دقيقة بأصابعهم وأيديهم. وبينما يحاولون البقاء داخل الخطوط، أو رسم الأشكال، أو التتبع والتظليل ورسم التفاصيل المعقدة، ​​فإنهم يقومون بصقل مهاراتهم الحركية الدقيقة ويتعلمون القيام بحركات مدروسة ومنضبطة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الإمساك بقلم رصاص أو قلم تلوين أو فرشاة رسم يُساعد الأطفال على تقوية عضلات اليد وتحسين قبضتهم على القلم. وبمرور الوقت، يتعلمون كيفية الإمساك بأداة الكتابة بقبضة مريحة ويطورون القوة والتحكم اللازمين في أصابعهم وعضلات أيديهم.

اطّلِع أيضًا: زين غرف أطفالك واجعل التعلم ممتعًا مع جداولنا التعليمية الملونة

3. المساعدة على التعلُّم

يُساعد الرسم الأطفال على فهم وتصوُّر مُختلف الأفكار والمفاهيم بشكلٍ كبير، كما يُمكّنهم من تقسيم المفاهيم المعقدة إلى مكونات أبسط. وبالتالي، يُمكنهم تمثيل العلاقات والعمليات بصريًا، مما يساعدهم على فهم المفاهيم المجردة أو الصعبة بسهولة أكبر. بمعنى آخر، يُتيح لهم الرسم إقامة روابط بين العناصر المختلفة، مما يعزز فهمهم لكلٍ منها.

في الواقع، تُشير بعض الدراسات إلى أنَّ استخدام الرسم كنشاط تعليمي يُمكن أن يزيد من فهم الأطفال في مجالات أخرى، مثل العلوم والرياضيات. في هذه الدراسة، تم تعليم مجموعة من الأطفال استراتيجيتين لمساعدتهم على تعلم مفهوم علمي مُعيّن. تضمَّنت إحدى الاستراتيجيات رسم الأفكار بينما لم تتضمّن الأخرى ذلك. من بين الطلاب الذين طبّقوا كلا الاستراتيجيَّتيْن، تمكّن أولئك الذين استخدموا الرسم من تطوير فهم أفضل للموضوع. 

اقرأ أيضًا: أهمية اللعب في تنمية مهارات أطفالنا وذكائهم

4. التعبير العاطفي

يُوفِّر الرسم منفذًا غير لفظي للأطفال للتعبير عن مشاعرهم مما يسمح لهم بتوضيح مخاوفهم أو أفراحهم أو مشاعرهم الصعبة من خلال الرسومات. في بعض الأحيان، قد يكون من الصعب على الأطفال التعبير عن مشاعرهم من خلال الكلمات وحدها. وبالتالي، يتيح لهم الرسم تمثيل مشاعرهم بصريًا، مما يمنحهم منفذًا آمنًا ومبدعًا للتعبير عن الذات.

بالإضافة إلى ذلك، يُمكن أن يساعد الانخراط في أنشطة الرسم الأطفال على تطوير الوعي العاطفي، أي أنّهم عندما يرسمون موضوعات أو مشاهد مختلفة، يمكنهم استكشاف وتحديد المشاعر المرتبطة بتلك العناصر. يُشجِّع هذا الأمر بشكلٍ كبير على تحقيق الفهم العميق للمشاعر، مما يُعزِّز الذكاء العاطفي مع الوقت.

وكثيرًا ما يُستخدم الرسم كأداة علاجيَّة، حيث يُستخدم لمساعدة الأطفال على معالجة الصدمات والتعامل مع التجارب الصعبة واستكشاف مشاعرهم ومعالجتها.

اطّلِع أيضًا: أفضل كتب الأنشطة لمساعدة أطفالك على تنمية مهارات القراءة والكتابة والمزيد!

5. تعزيز التطوُّر المعرفي

يُحفِّز الانخراط في الرسم الكثير من العمليَّات المعرفيَّة المختلفة، بما في ذلك الاهتمام بالتفاصيل والتخطيط والتذكُّر. عندما يرسم الأطفال، يجب عليهم التفكير مسبقًا والتخطيط للشكل العام لعملهم الفني. وبالتالي، يُعزِّز هذا الأمر قدرتهم على تنظيم الأفكار وتسلسلها، وهي مهارة مفيدة في موضوعات مثل الرياضيات والعلوم.

يُساهم الرسم أيضًا في زيادة إشراك الأطفال بنشاط في عملية التعلم. عندما يرسمون، فإنّ الأطفال يعالجون وينظمون المعلومات في أذهانهم بشكلٍ فعَّال، وبالتالي، تُعزِّز هذه المعالجة من الحضور الذهني والتركيز والانتباه، مما يُسهِّل بدوره الانخراط في عمليّة التعلُّم.

بالإضافة إلى ما سبق، يُوفِّر الرسم تجربة متعددة الحواس من خلال دمج العناصر البصرية والحركية وأحيانًا اللمسيَّة. لقد ثبت أنَّ إشراك الحواس المتعددة أثناء التعلم يعزز الذاكرة بشكلٍ كبير. إنَّ الإمساك بالقلم، والقيام بحركات مُتعمدة به أثناء الرسم، ثم رؤية النتيجة البصريَّة في النهاية يخلق اتصالاً متعدد الحواس يُعزِّز بدوره قوة الذاكرة واستدعاء المعلومات.

اقرأ أيضًا: تربية ذكية: أسرار تنمية مهارات طفلك وتعزيز قدراته

6. تنمية مهارات حل المشكلات

عندما يبدأ الأطفال في رسم أشكال أكثر تعقيدًا، فإنَّهم يصبحون بحاجة إلى التفكير في بعض الأشياء مثل تخطيط وتنظيم العناصر على الورق، واختيار الألوان التي يجب استخدامها، وكيف يبدو الشكل ثلاثي الأبعاد، بالإضافة إلى مفاهيم أكثر تعقيدًا مثل المنظور والمقياس والتناسب. وبالتالي، يتعلَّم الأطفال كيفية اتخاذ القرارات بشأن ما يرسمونه وكيفية تمثيل أفكارهم. 

تُترجم هذه العملية إلى مهارات حل المشكلات التي تُعد إحدى الأعمدة الأساسيّة للإبداع، حيث يتعلم الأطفال تقسيم المشكلات المعقدة إلى أجزاء أصغر والتعامل معها على حدة، وتنظيم نهجهم بشكل استراتيجي لإيجاد حل إبداعي في النهاية. بمعنى آخر، يُعد التغلُّب على هذه التحديات الفنية أثناء الرسم بمثابة تعزيز لقدرات الطفل على حل المشكلات والتفكير الابتكاري.

اطّلِع أيضًا: القلم القارئ باللغتين العربية والإنجليزية

7. تطوير مهارات الملاحظة

يتطلَّب الرسم مراقبة دقيقة للتفاصيل، فعندما يرسم الأطفال يتعلمون الانتباه إلى الأشكال والخطوط والألوان المحددة للأشياء التي يرسمونها. يعمل هذا الانتباه إلى التفاصيل على تحسين قدرة الأطفال على ملاحظة وتقدير الأشياء في محيطهم. بالإضافة إلى ذلك، يُشجِّع الرسم الأطفال على التحليل البصري للموضوعات والمشاهد، حيث يتعيَّن عليهم ملاحظة وتفسير العلاقات بين العناصر المختلفة، مثل النسب والزوايا والترتيبات المكانية، مما بدوره يقوم بتدريب عيونهم على إدراك وتفسير المعلومات المرئية بدقة.

وبالطبع تُعد هذه القدرة الدقيقة على الملاحظة سمة مُهمّة من سمات الشخصيّة الإبداعيّة. فالمبدع يلاحظ أولًا ثم يضفي لمساته الإبداعيّة على محيطه والأشياء من حوله.

اقرأ أيضًا: أساليب التربية الحديثة: كيف تربّي أطفالك بذكاء؟

كيف يُمكنك مساعدة طفلك؟

يُمكن للوالدين أن يلعبوا دورًا حاسمًا في تعزيز الإبداع لدى أطفالهم من خلال الرسم عبر خلق بيئة داعمة ومحفزة. طبقًا لإحدى تقارير مجلس الفنون في إنجلترا، فإنّ العديد من الأطفال لا يتلقون التشجيع للمشاركة في الأنشطة الفنية. لكن الأطفال الذين يحظون بتشجيع كبير من أهلهم كانوا أكثر مشاركةً في الأنشطة الفنيّة سواءً كأطفال أو بعد البلوغ. يشير هذا إلى أنَّ التشجيع قد يكون مهمًا، ليس فقط للمشاركة الحالية، ولكن أيضًا في المستقبل. وفيما يلي عدة استراتيجيات لتعزيز الإبداع عند طفلك من خلال الرسم:

  • تأكَّد من حصول طفلك على مجموعة من أدوات الرسم مثل أقلام التلوين وأقلام الرصاص الملونة وأقلام التحديد والألوان المائية وأنواع مختلفة من الورق، لتشجيعه على التجربة وإلهام إبداعه.
  • قم بإعداد منطقة مُحدَّدة في المنزل حيث يمكن للأطفال الرسم بحرية. يجب أن تكون هذه المساحة مجهزة بجميع الأدوات الضروريَّة ويجب أن تكون مكانًا يشعرون فيه بالراحة دون وجود أي مُشتِّتات.
  • أطلب من الطفل الرسم بناءً على طلب يسمح له بالتفسير المفتوح، مثل “ارسم منزل أحلامك” أو “اصنع حيوانًا جديدًا”. تجنَّب إعطاءه تعليمات مُحدَّدة قد تحد من خياله.
  • امتدح الجهد والفكر الذي يبذله طفلك في رسوماته بغض النظر عن المنتج النهائي. فهذا بدوره يبني ثقته ويُشجعه على الإبداع دون خوف من الفشل.
  • شجّع طفلك على خلق القصص من خلال الرسم، حيث يُمكن أن يتضمَّن ذلك رسم سلسلة من الأحداث أو توضيح السرد الذي قام بإنشائه من خلال الصور. 
  • ادمج الرسم في المهام اليوميَّة لطفلك مثل إنشاء قوائم التسوُّق بالصور، أو رسم أي شيء رآه في يومه. سيكون هذا الأمر كفيلًا بجعل الرسم عادةً يوميّة عند طفلك ويبقيه منشغلًا بإخراج إبداعه في هذه الرسومات.
  • دع طفلك يستكشف ويرسم ما يهتم به دون فرض الكثير من القيود أو القواعد. إنَّ السماح للطفل بالتمتُّع بالحريَّة أثناء الرسم يُساعده على تطوير المزيد والمزيد من مهاراته الإبداعيّة.
  • قم بتقديم تحديَّات أو موضوعات ممتعة لجلسات الرسم، مثل الرسم دون رفع القلم الرصاص من الورقة أو استخدام لون محدد فقط. يمكن لهذه القيود أن تلهم الإبداع أكثر مما تتوقّع.

اقرأ أيضًا: 15 كتاب يجب أن يقرأها طفلك لتنمية عقله وشخصيَّته!

ختامًا، يُعد الرسم بمثابة بوَّابة لإطلاق العنان لقدرات الأطفال الإبداعيَّة. فمن خلال هذه الوسيلة المرنة مُتعددة الاستخدامات، يمكن للأطفال تطوير عدد لا يحصى من المهارات التي تتجاوز القدرات الفنيَّة. فالرسم يغذي الخيال والمهارات الحركيّة ومهارات حل المشكلات والقدرة على الملاحظة، وجميعها تساهم في تقوية الإبداع بشكلٍ كبير. 

ومن خلال تشجيع الأطفال على المشاركة في أنشطة الرسم، فإننا نوفر لهم مساحة آمنة لاستكشاف أفكارهم وتجربة مفاهيم مختلفة والتفكير بشكل إبداعي. لذلك، إذا كنت ترغب في تنمية المهارات الابداعية لطفلك، فإنّ تزويده بالأدوات والموارد اللازمة وتشجيعه على الرسم يُعد وسيلة قويَّة لتحقيق ذلك.

وأخيرًا، لا تنسَ الاشتراك في مدونتنا ليصلك المزيد من مقالاتنا التي ستساعدك في تنمية مهارات طفلك أيًا كانت مرحلته العمريّة. ولا تتردد كذلك في الاطّلاع على مقالاتنا السابقة ومشاركتها لتعم الفائدة.

Last Update: 1 أغسطس 2024