في عالم اليوم الذي طغى فيه الاهتمام بالجوانب الماديّة كالتفوُّق الدراسي والرياضي على الجوانب الأخلاقيّة، أصبح غرس القيم الجيدة في أطفالنا أمرًا لا غنى عنه، حيث تُشكِّل هذه القيم حجر الأساس لسلوكهم الأخلاقي طوال حياتهم. ويُعد الصدق والأمانة اثنان من أهم هذه القيم الأخلاقيّة، فهي صفات أساسيَّة تشكل شخصيَّة كل فرد وتفاعلاته مع الآخرين.

ولا شكّ أنّ كل والد يرغب في تربية أطفاله على قول الصدق. ومع ذلك، عندما يكبر الطفل بشكلٍ مُستقل ويتعرّض لتجارب مُختلفة ويُطوِّر تفكيرًا خاصًا به، قد يلاحظ الآباء أنَّه يبدأ في قول بعض الأكاذيب البيضاء الصغيرة أو حتى الكذبات الكبيرة. بدءًا من سن الثانية، ينمي طفلك القدرة المعرفيَّة على نسج القصص التي تتناسب مع ما يريده أو يحتاجه.

قد يكذب بعض الأطفال لتجنُّب الوقوع في المشاكل، بينما يختلق آخرون الأكاذيب للحصول على شيء يريدونه. قد تنزعج من عدم الأمانة، لكن من المهم أن تعرف أن الكذب أمر طبيعي بالنسبة للأطفال الصغار. في الواقع، كل الأطفال يكذبون. لكنَّ هذا لا يعني أنَّه يُمكنك السماح لهم بالتمادي! فالصدق والأمانة قيمتان أساسيَّتان يجب غرسها في طفلك في سن مبكرة جدًا.

وفي هذا المقال، سنُقدّم إليك ستة طرق عمليَّة بسيطة ومُؤثِّرة لتعليم الأطفال الأمانة والصدق بغض النظر عن فئتهم العمريّة!

6 نصائح عمليّة لتعليم الأطفال الأمانة والصدق

1. قل دائمًا الحقيقة

من أجل تعليم الأطفال الأمانة والصدق، عليك الالتزام بمبدأ بسيط وهو أن تقوم ببساطة بنفس الأمر، حيث يتعلَّم الأطفال بشكلٍ أفضل من خلال مراقبة سلوك الوالدين من حولهم. تجَّنب الكذب أمام طفلك أو على طفلك وأخبر الحقيقة أيًا يكن الأمر، حيث إنّ هذه الخطوة من شأنها أن تُمهِّد الطريق لغرس عادة الصدق في طفلك مدى الحياة. وإذا كان من الصعب حقًا قول الحقيقة، فمن الأفضل الاعتراف بأنَّ بعض الأشياء يصعب التحدث عنها بدلاً من محاولة الكذب. 

عندما ترتكب خطأ ما، اعترف به أمام أطفالك، فالاعتراف بأخطائك وإظهار كيف تُخطِّط لتصحيحها يُعلِّم الطفل أنَّه لا بأس من ارتكاب بعض الأخطاء وأنَّ الطريقة الصحيحة للتعامل معها هي الاعتراف بها وتحمُّل المسؤوليَّة.

لذلك، التزم من الآن بسياسة منزليَّة صارمة تقضي بأنَّ الصدق مطلوب من كل فرد في الأسرة في جميع الأوقات، وغير مسموح بالكذب في أي حال من الأحوال. يتضمَّن ذلك عدم مطالبة طفلك أبدًا بالكذب على الآخرين مثل أن يجيب على الهاتف ويُخبر المُتصّل أنك نائم على سبيل المثال. فأنت بحاجة دائمة إلى إظهار الصدق أمام أطفالك، حتى عندما يكون الأمر صعبًا أو يتعيَّن عليك مواجهة العواقب. 

اقرأ أيضًا: كيفية التعامل مع بكاء الأطفال: دليل شامل للآباء ومقدمي الرعاية

2. كن منفتحًا بشأن أخطاء طفلك

إنّ التحلي برد فعل هادئ وعقلاني عندما يقوم طفلك بأمر خاطئ سيساعده كثيرًا على فعل الشيء الصحيح وقول الحقيقة والتعلُّم من خطئه بدلاً من محاولة الهروب من العقاب عن طريق الكذب. لذلك، من المهم أن تقوم بالتعامل مع الأخطاء كجزء طبيعي من حياة الطفل. اشرح له أنَّ الجميع – بما في ذلك البالغين – يرتكبون أخطاء وأنَّه من المقبول الاعتراف بها، مما بدوره سيُساعد الطفل على تقليل الشعور بالخجل أو الخوف من أخطائه.

كشخصٍ بالغ، كن صادقًا دائمًا مع أطفالك عندما ترتكب خطأً أو تفسد شيئًا ما. عندما تُخطئ، ناقش الأمر بصراحة مع طفلك وشاركه ما تشعر به تجاه الخطأ، وما تعلمته منه، وكيف تُخطِّط لتصحيحه. فإذا كنت تريد تعليم أطفالك الصدق وتقديم مثال جيد، فمن الأفضل على المدى الطويل الإشارة إلى أخطائك وكيفية تعاملك معها. ومع الوقت، ستضمَن خلق جو داعم حيث يشعر الأطفال بالأمان عند الاعتراف بأخطائهم دون الحاجة للجوء إلى الكذب. 

ومهما يكن، تجنَّب العقوبات القاسية التي قد تجعل طفلك ينفر من فكرة المصارحة والاعتراف بالخطأ، وبدلاً من ذلك ركز على التعليقات البنَّاءة لجعل الطفل يُفكّر فيما قام به. بيِّن لطفلك أنّ عليه تحمُّل المسؤولية من خلال الاعتراف بالخطأ، وفهم تأثير أفعاله، واتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح الأمور. وفي نهاية الأمر، سيكتسب الطفل الأمانة والصدق كصفتَيْن أساسيتين في حياته.

اطّلِع أيضًا: منتجات تعليم اللغة الإنجليزية للأطفال

3. كافئ طفلك على الصدق والأمانة

تُعتبر مكافأة الطفل على السلوك الجيد عمومًا أحد أهم الوسائل لتعزيز هذا السلوك لديه وضمان أنّ الطفل سيستمر في القيام به حين يرى أنّ هذا السلوك هو أمر مرغوب ومُقدّر. والصدق والأمانة ليسا استثناءً! عندما يرى الطفل أنَّ صدقه وأمانته مُقدّرين بشكلٍ كبير، فمن المُرجَّح أن يستمر في كونه صادقًا وأمينًا.

عندما يعترف الطفل بخطأ ما، أو يقول الحقيقة بشأن موقف صعب، أو يقاوم إغراء الكذب، فقدّر ذلك وافعل كل ما بوسعك لتحويل تلك التجربة السلبيَّة إلى تجربة إيجابيَّة

يُمكن أن تكون هذه المكافآت ملموسة أو غير ملموسة، حيث تشمل المكافآت الملموسة بعض الهدايا الصغيرة، بينما تشمل المكافآت غير الملموسة العناق أو منحه وقت لعب إضافي، لكنّ أحد أكثر المكافآت فعاليَّة للسلوك الجيد هو بلا شك الثناء اللفظي.

كن محددًا في مديحك، مع تسليط الضوء على السلوك الذي تكافئه. على سبيل المثال، قل: “أنا فخور جدًا بك لأنك قلت الحقيقة بشأن ما حدث. إنه يظهر مدى صدقك ومسؤوليتك.” يُمكن أن يكون كلا النوعين فعالين، لكن المكافآت غير الملموسة غالبًا ما يكون لها تأثير أكثر استدامة لأنها تقوي الرابطة العاطفية مع الطفل أكثر.

وفي حين أنَّ المكافآت الفورية يمكن أن تكون فعالة جدًا، إلا أن المكافآت المتأخرة قد تكون مفيدة أيضًا في بعض الأحيان. على سبيل المثال، يمكنك تحديد أهداف لمكافآت طويلة المدى، مثل نزهة خاصَّة أو هدية أكبر في نهاية الأسبوع إذا استمر الطفل في الصدق. وهذا بدوره سيُعلِّم الأطفال قيمة الاستمرار في الصدق وليس مُجرّد قول الحقيقة في موقفٍ ما والامتناع عنها في موقفٍ آخر!

اقرأ أيضًا: أهمية اللعب في تنمية مهارات أطفالنا وذكائهم

4. علّم طفلك عواقب الكذب أو عدم الأمانة

إن معرفة عواقب الكذب أو عدم الأمانة يُعد أمرًا بالغ الأهميَّة لمساعدة الطفل على تجنُّب هذه الصفات. لذلك، ابدأ بشرح العواقب المباشرة والملموسة للكذب. على سبيل المثال، يحتاج الأطفال إلى أن يفهموا أن الكذب يُمكن أن يؤدي إلى فقدان بعض الامتيازات، مثل تقليل وقت الشاشة، أو فقدان وقت اللعب، أو تفويت نشاط مُمتع. ويجب أن تكون العواقب مُناسبة لعمر الطفل ومدى شدَّة الكذب.

بالإضافة إلى ذلك، علّم طفلك أنّ من أهم عواقب عدم الأمانة هو فقدان الثقة، واشرح له أنَّ الثقة يتم بناؤها بمرور الوقت من خلال الصدق المستمر، وبمجرد كسرها قد يكون من الصعب جدًا إعادة بنائها. ساعد طفلك كذلك على فهم التأثير العاطفي للكذب على نفسه وعلى الآخرين من خلال توضيح كيف للكذب أن يؤذي مشاعر الناس، ويؤدي إلى خيبة الأمل، ويخلق شعورًا بالخيانة، واسأله عن شعوره إذا كذب عليه شخص ما.

شارك أمثلة من الحياة الواقعيَّة مع طفلك تُوضِّح له كيف يُمكن أن تؤدي عدم الأمانة إلى عواقب وخيمة. يُمكن أن يتضمَّن هذا بعض القصص من تجاربك الخاصَّة أو حتى حكايات من الروايات والقصص. ناقش معه نتائج هذه الأمثلة وكيف كان من الممكن أن يؤدي الصدق إلى نتائج أفضل.

اغرس حب القراءة مبكرًا في طفلك مع كتب التعليم المبكر ورياض الأطفال

5. اعتذر عندما تكون مخطئًا

من الصعب دائمًا الاعتراف عندما نخطئ، لكن الاعتذار يُثبت قدرتنا على النظر إلى أنفسنا بصدق ومن ثمَّ أن نكون صادقين مع الآخرين. لهذا السبب، عند الاعتذار، من المهم تسمية الخطأ الذي فعلته أمام طفلك بصدق وصراحة، ثم تحمُّل المسؤولية الشخصية باستخدام كلمة “أنا”، بدلاً من التحدث وكأن شيئًا حدث من تلقاء نفسه.

كونك والدًا يعني أن أطفالك ينظرون إليك كمثلٍ أعلى، لكن هذا لا يعني أنه يجب عليك أن تكون مثاليًا طوال الوقت، لا أحد كذلك!. وبالتالي، فإنّ إحدى أفضل الطرق التي يمكنك من خلالها تعليم أطفالك الصدق والأمانة هي ممارسة ذلك بنفسك، والاعتراف عندما ترتكب خطأ، والاعتذار بدلًا من محاولة إنكار الخطأ.

اقرأ أيضًا: 15 كتاب يجب أن يقرأهم طفلك لتنمية عقله وشخصيَّته!

6. علّم طفلك من خلال القصص

يُعد تعليم الأطفال الأمانة والصدق من خلال القصص طريقة رائعة لغرس هذه القيم في نفوسهم، حيث تتمتَّع القصص بالقدرة على أسر خيالهم ونقل دروس ذات معنى إلى عقلهم الباطن بصورة غير واعية. يُمكنك اختيار القصص المُناسبة لعمر طفلك ومستوى استيعابه، والبحث عن الحكايات التي تدور حول شخصيات تواجه معضلات أخلاقية وتتخذ خيارات مبنيَّة على الصدق والأمانة. يجب أن تؤكّد هذه القصص على عواقب الكذب وقيمة الصدق. على سبيل المثال، يُمكن لقصص مثل “الراعي الكاذب” أن تُوضِّح التبعات الخطيرة لعدم الأمانة والصدق.

يُمكنك الاطّلاع على مجموعتنا المُميّزة من القصص، حيث تحتوي كل قصّة على فضيلة وقيمة إنسانيَّة مُختلفة لمساعدة الطفل على اكتساب الصفات الأخلاقيّة الحسنة في سياق من المُتعة والترفيه!

بعد قراءة أو حكي القصة، قم بإشراك طفلك في مُحادثة حول الدروس الأخلاقيَّة المنقولة واطرح أسئلة مفتوحة حول تصرفات الشخصيات ودوافعها، وشجع طفلك على مشاركة أفكاره ومشاعره. سيساعده هذا الأمر على استيعاب هذه القيم بسهولة أكبر وتطبيقها على مواقف الحياة الحقيقيَّة.

علاوةً على ذلك، يُمكنك إنشاء قصصك الخاصّة أو تعديل القصص الموجودة لتناسب اهتمامات طفلك أو تُحاكي المواقف التي يُمكن أن يتعرّض لها. في جميع الأحوال، يجب أن تتطلَّب القصص من الشخصيات اتخاذ خيارات صادقة، وأن تؤكّد على الأمور الجيدة التي تنتج عن التحلي بالصدق والأمانة.

اطّلِع أيضًا: مجموعة من أفضل الكتب التعليميّة لطفلك

ختامًا، يُعد تعليم الأطفال الصدق والأمانة بمثابة مسؤوليَّة كبيرة تقع على عاتق الآباء نظرًا لما لهذه الصفات من دور في تشكيل شخصيتهم والتأثير على تفاعلاتهم الاجتماعيّة. ففي عالمٍ قد تبدو فيه الصفات الحميدة نادرة في بعض الأحيان، تصبح جهودنا المتفانية لغرس الفضائل والقيم في أطفالنا أكثر أهميةً من أي وقت مضى. 

ومن خلال اتّباع النصائح المذكورة في هذا المقال، فإنّك ستساهم بشكلٍ كبير في غرس هذه القيم في طفلك حتى تصبح متأصّلة فيه وجزءًا لا يتجزّأ من طباعه ومبادئه. فما سيصبح عليه طفلك عندما يكبر يبدأ من عند هذه المرحلة!

المصادر: cefonline، babycenter

Categorized in:

تربية الأطفال,

Last Update: 26 يونيو 2024