لا شكّ أنّ الجميع يرغبون في رؤية أطفالهم وهم يزدهرون ويؤدون أداءً استثنائيًا في كل المجالات – سواءً في الدراسة أو في الحياة بشكلٍ عام – وأن يحققوا إمكاناتهم الكاملة. ولكن في نفس الوقت، وسط هذا البحر الهائل من نصائح الأبوة والأمومة، والنظريات التربويَّة، فإنَّ الطريق لرعاية نمو الطفل بشكلٍ فعَّال قد يكون شاقًا
فالإنترنت مليء بالأفكار العمليَّة للآباء لتعليم وتنمية أطفالهم، ولكنَّ معظم الآباء قد يشعرون بالحيرة في وسط هذا الكم من الموارد! ولكن الخبر السار هو أنَّ هناك العديد من النصائح العمليّة والمُجرَّبة التي يُمكن للوالدين من خلالها تنمية أطفالهم بشكلٍ كبير ليكونوا مُتفوقين ومُتميزين بين أقرانهم
لذا، قمنا في هذا المقال بتجميع قائمة بأفضل وأهم النصائح التي تُغطي جميع القواعد عندما يتعلَّق الأمر بدعم نمو طفلك. سواءً كنت والدًا جديدًا تسعى للحصول على بعض التوجيه أو كنت تبحث عن وجهات نظر تربويّة حديثة وترغب في الاستثمار في رفاهية طفلك، فقد تم تصميم هذه المقالة لتزويدك بالمعرفة والأدوات اللازمة لتحسين نمو طفلك نفسيًا وعقليًا أيًا كان عمره.
1. تعزيز احترام طفلك لذاته
يبدأ الطفل في تكوين رؤيته عن نفسه وتطوير إحساسه بذاته عندما يُشاهد نفسه من خلال عيون والديه. هذا يعني أنّ طفلك يتلقَّى نبرة صوتك، ولغة جسدك، وكل تعبيراتك ويستوعبها جيدًا. وبالطبع، ستُؤثِّر كلماتك وأفعالك على نظرة طفلك لنفسه أكثر مما سيفعل أي شيء آخر. كما أنّ السماح له بتجربة الأشياء بشكلٍ مُستقل دون تدخلك سيجعله يشعر بالقدرة والقوّة
إنَّ الثناء على إنجازات الطفل – مهما كانت صغيرة – سيجعله يشعر بالفخر والثقة بالنفس. على النقيض من ذلك، فإنّ التعليقات التي تُقلِّل من شأن الطفل أو تُقارنه بشكل سلبي مع طفل آخر ستجعله يشعر بأنّه لا قيمة له، وهو الأمر الذي سينعكس على شخصيّته بشكلٍ كبير طوال حياته.
لذلك، تجنَّب مُطلقًا الإدلاء بعبارات سلبيّة وكن على يقين أنّ كلماتك لها تأثير لا يقل ضررًا عن الضربات الجسديَّة. حتى عندما يُخطئ الطفل، قم بتنبيهه وفي نفس الوقت اختر كلماتك بعناية ودعه يعرف أنَّ الجميع يرتكبون أخطاء وأنَّك لا تزال تحبه، حتى عندما لا تحب سلوكه.
2. تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي
إنَّ مساعدة طفلك على تعلُّم مهارات حل المشكلات والتفكير الإبداعي تؤهله للنجاح في جميع مجالات الحياة. كما هو الحال مع كل شيء، الممارسة تؤدي إلى الكمال. لذلك، شجِّع طفلك على ممارسة التفكير النقدي من خلال طرح أسئلة مفتوحة تتطلَّب منه التحليل والتقييم وتقديم التفسيرات أو من خلال شراء بعض الألعاب التي تُنمي التفكير الإبداعي لديه.
بالإضافة إلى ذلك، قم بمنح الفرصة لطفلك للمشاركة في الأنشطة الإبداعيَّة مثل الفنون والتي من شأنها أن تُحفّز الخيال وتُساعد على تطوير الجانب الإبداعي ومهارات حل المشكلات لدى طفلك.
من المُهم أيضًا ألَّا تقوم بتقديم الحلول الفوريّة لمشاكل طفلك. بدلاً من ذلك، شجِّعه على التفكير بشكل مُستقل من أجل التوصُّل إلى حلول خاصّة به. بالطبع ستُقدِّم له التوجيه والدعم، ولكن اسمح له باستكشاف الاحتمالات المختلفة والتعلُّم من أخطائه
3. مكافأة الطفل على السلوك الجيد
هل فكّرت يومًا في عدد المرات التي تتفاعل فيها يوميًا بشكلٍ سلبي مع طفلك؟ هل ترى أنّك تنتقد طفلك كثيرًا بينما لا تُثني عليه إلا نادرًا؟ حسنًا، ما هو شعورك تجاه مديرك الذي يُعاملك بنفس القدر من النقد السلبي، بينما لا يتوقّف كثيرًا عند أي إنجاز تقوم به؟ شعورٌ مزعج، أليس كذلك؟!
لذلك، فإنّ النهج الأكثر فعاليَّة هو الجمع بين الأمرين بنفس القدر، بمعنى أنّك تقف عند الأخطاء وعند السلوك الجيد كذلك. على سبيل المثال، يُمكنك أن تقول لطفلك عبارات مثل “لقد رتبت سريرك دون أن أطلب منك ذلك، هذا رائع!” أو “كنت أشاهدك وأنت تلعب مع أختك وكنت صبورًا للغاية، أحسنت”.
ستعمل هذه العبارات على تشجيع السلوك الجيد لطفلك على المدى الطويل، وستُحفزه ليقوم بالمزيد من الأشياء الجيدة ليحظى بالمزيد من التشجيع والكلام الإيجابي. علاوةً على ذلك، كن كريمًا بالمكافآت، فحبك واحتضانك وإطرائك يُمكن أن يصنع العجائب في شخصيّة طفلك. ومن خلال اتِّباع هذا النهج، ستجد أنّ طفلك يُطوّر المزيد من السلوكيَّات التي ترغب في رؤيتها.
وفي نفس الوقت، من المُهم العثور على سلوك يستحق فعلًا الثناء عليه، لأنّ مدح الطفل على أي شيء حتى لو كان لا يستحق قد يأتي بنتائج عكسيّة ويُنمي شعورًا بالاستحقاقيّة السامّة لدى طفلك.
4. تنمية المهارات الاجتماعيَّة والعاطفيَّة للطفل
في مرحلة الطفولة، تخلق المُشاركة والاحتكاك مع الآخرين أساسًا قويًا لتطوير الذكاء العاطفي والقدرة على التعامُل مع الناس في المُستقبل. لذلك، احرص دومًا على تعليم طفلك مهارات التواصل الفعَّال، بما في ذلك الاستماع النشط، والتعبير عن نفسه بوضوح، وفهم الإشارات غير اللفظيَّة، والتعبير عن أفكاره ومشاعره بكل صراحة، ومن المُهم أن تمنحه الفرصة للحديث كما يريد.
عندما يبدأ الطفل في أولى مراحل التواصُل، فإنَّ أفضل ما يُمكنك القيام به من أجله هو أخذه للعب جنبًا إلى جنب مع الأطفال الآخرين، فتلك هي الطريقة المثاليَّة لدعم تنمية مهارات طفلك الاجتماعيَّة والعاطفيَّة. شجِّع طفلك على المشاركة في الأنشطة الجماعيَّة أو النوادي أو الألعاب الرياضيَّة حيث يمكنه التفاعل والتعاون مع غيره.
ومن الناحية الأخرى، من المُهم أن تُعلِّم طفلك أن يفهم مشاعر الآخرين ويُشاركهم قدر المُستطاع، وأن يتخيّل ما قد يشعر به الآخرون في المواقف المُختلفة وأن يُظهر التعاطف تجاههم. ولتحقيق كل ذلك، لا غنى عن توفير بيئة داعمة في المنزل حيث يشعر طفلك بالراحة في التعبير عن مشاعره ومناقشة تجاربه الاجتماعيَّة بحريّة.
5. كن قدوةً حسنة
يتعلَّم الأطفال الصغار الكثير عن كيفيَّة التصرُّف من خلال مراقبة والديهم بشكلٍ مُستمر. وكُلَّما كانوا أصغر سنًا، كلما أخذوا المزيد من الأفعال والصفات منهم. لذلك، قبل أن تقوم بأي فعل سيء أمام طفلك، فكِّر في هذا: هل تريد أن يتصرف طفلك بهذه الطريقة عندما يكبر؟ في الواقع، أظهرت العديد من الدراسات أنَّ الأطفال الذين لديهم سلوك عدواني عادةً ما يأتون بهذا السلوك من المنزل.
ولهذا، انتبه إلى أنَّ أطفالك يراقبونك باستمرار وكُن نموذجًا للصفات التي ترغب في رؤيتها في أطفالك مثل: الاحترام، والود، والصدق، واللطف، والتسامح، والتعبير عن الشكر وتقديم الثناء، وتجنُّب العصبيّة. بمعنى آخر، تعامل بالطريقة التي تريد أن يتعامل بها أطفالك عندما يكبرون وتحلى بالسلوكيّات التي تُريدهم أن يتحلوا بها.
6. تواصل مع طفلك
لا يُمكنك أن تتوقَّع من طفلك أن يفعل كل شيء تطلبه منه لمُجرَّد أنك كوالد تقول ذلك. فالطفل يحتاج إلى التوضيحات بقدر ما يفعل الكبار. لذلك، يجب عليك أن تُخصص وقتًا ومجهودًا للشرح، حيث تُوضح فيه للطفل لماذا يجب عليه أو لا يجب عليه أن يقوم بسلوكٍ مُعيّن. فمن دون هذا النوع من التواصل والتوضيح، سيبدأ الطفل في التساؤل عن مدى أهميّة هذه القيم أو السلوكيّات وما إذا كان لها أي أساس، وقد يقوم بكسر قواعدك عندما لا تكون متواجدًا.
إذا كانت هناك مشكلة أو سلوك سيء عند طفلك، قُم بوصفه والتعبير عنه أمام طفلك، وأشركه في الأمر للعمل معك على إيجاد حل على قدر استيعابه. وبجانب تضمين العواقب والتهديدات في كلامك، تأكّد أيضًا من تقديم الاقتراحات والخيارات والأسباب المُقنعة لطفلك. فتوضيح أسبابك أمام طفلك لمنع سلوك مُعيّن، سيجعله أكثر تحفيزًا لتنفيذ كلامك.
7. تشجيع الطفل على ممارسة الرياضة
عند الحديث عن تنمية الطفل سواءً جسديًا أو ذهنيًا، فلا يوجد أفضل من الرياضة لتُقدمها له. فمن خلال مُمارسة الرياضة، يُمكنك تحسين الصحّة العامّة واللياقة البدنيّة لطفلك، علاوةً على تطوير المهارات الحركيَّة وتحسين الترابط الذهني العضلي. بالإضافة إلى ذلك، تُشير الأبحاث إلى وجود علاقة إيجابيَّة بين المُشاركة الرياضيَّة والأداء الدراسي. يرجع السبب وراء ذلك إلى أنّ النشاط البدني المُنتظم يعمل على تحسين الوظائف الإدراكيَّة والتركيز والذاكرة، مما بدوره يُساهم في تحقيق الإنجازات الدراسيّة.
أضف إلى ذلك أنّ مُمارسة الرياضة في سن مبكرة تُعزِّز نمط الحياة الصحي والنشط الذي يُمكن أن يمتد إلى مرحلة البلوغ. فكما أنّ العلم في الصغر كالنقش على الحجر، فإنّ العادات المُكتسبة في الطفولة تمتد إلى باقي مراحل الحياة. ولذلك، من المُرجَّح أن يستمر الأطفال في ممارسة الرياضة طوال حياتهم، وهو الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على صحتهم على كلٍ من المدى القريب والبعيد.
ونظرًا لأنّ ممارسة الرياضة تتطلَّب مهارات الانضباط وإدارة الوقت، سيتعلَّم الأطفال الموازنة بين التزاماتهم الرياضيَّة وبين الواجبات المدرسيَّة والمسؤوليات الأخرى، مما يؤدي إلى تطوير مهارات حياتيَّة مهمة يُمكن أن تساهم في نجاحهم في المستقبل.
8. خصِّص وقتًا لأطفالك
غالبًا ما يكون من الصعب على الآباء والأطفال الاجتماع معًا لتناول وجبة عائلية، ناهيك عن قضاء وقت ممتع معًا. ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أنّه لا يوجد شيء يرغب فيه الأطفال أكثر من ذلك! وبالطبع لا حاجة للحديث عن مدى الآثار النفسيّة السيئة التي ستعود على الطفل إذا لم يجد الاهتمام الكافي من والديه. لكن يكفي القول أنّه غالبًا ما يتصرَّف الأطفال الذين لا يحصلون على الاهتمام الذي يريدونه من والديهم بشكلٍ سيء فقط لأنّهم يريدون أن تتم ملاحظتهم ليس أكثر.
لذلك، من الأهميّة بمكان جدولة بعض الوقت مع طفلك. استيقظ مبكرًا بعشر دقائق في الصباح حتى تتمكَّن من تناول وجبة الإفطار مع طفلك وإجراء حديث قصير معه. وإذا كان جدولك مُزدحمًا، قُم بإنشاء ليلة خاصَّة كل فترة لتكونا معًا ودعه يُساعدك في تحديد كيفيَّة قضاء الوقت.
ابحث عن طرق مُختلفة للتواصل مع طفلك، واستمع إليه قدر المُستطاع، لأنّ ذلك من شأنه أن يُساهم في الاستقرار النفسي لطفلك سواءً في مرحلة الطفولة أو بعدها. ولا تُشعر بالذنب إذا كنت لا تجد أي وقت لتقضيه مع طفلك، فحتى بعض الأشياء الصغيرة التي تقوم بها معه مثل صنع الفشار أو لعب الورق كفيلة بأداء المُهمّة بنجاح.
ختامًا، بينما ننهي مقالنا عن كيفيّة تنمية الطفل، من المُهم الأخذ في الاعتبار أنّه لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع، فكل طفل له طبيعته الخاصّة، وله نقاط قوته ونقاط ضعفه. ومع ذلك، فإنّ المبادئ المذكورة في هذا المقال هي مبادئ إرشاديّة هامّة يُمكنك الاعتماد عليها في رحلتك لتنمية طفلك.
لذا، قم بتطبيق هذه السلوكيّات الثمانية الهامّة مع طفلك، وسوف تُحسِّن بشكل كبير فرص طفلك في النمو نفسيًا وذهنيًا في المستقبل. إنَّ منح طفلك أفضل الأدوات لتحقيق النجاح في المستقبل لا علاقة له بالمال أو موارد التعلُّم الباهظة، بل بتعلّق الأمر بك وبوقتك وبمستوى مشاركتك. وأخيرًا، لا تنسَ الاشتراك في مدونتنا حتى يصلك كل جديد من مقالاتنا المُفيدة والمُمتعة.