عندما يُفكِّر معظم الآباء في تأسيس أطفالهم علميًا بمهارات العصر الأساسيّة، فإنّهم غالبًا ما يبدأون باللغات الأجنبيّة كالإنجليزيّة أو مهارات الحساب أو العلوم، ولكنّ القليلون هم من يفكّرون في البدء بالبرمجة كمهارة أساسيّة.
وفقًا لاستطلاع Stack Overflow للمُطوِّرين لعام 2020، كتب أكثر من 54% من المُبرمجين المُحترفين الكود الأوّل لهم بحلول سن 16 عامًا. وفي حين قد يبدو هذا السن صغيرًا نسبيًا، إلَّا أنَّه يُمكن للأطفال البدء في تعلُّم البرمجة من سن أصغر بكثير، قد يبدأ أحيانًا من عمر أربع سنوات!
وهنا يظهر تساؤل قد انتشر كثيرًا في الفترة الأخيرة: “ما أهميّة تعليم البرمجة للأطفال في هذا السن الصغير؟” وهذا هو السؤال الذي سنجيب عنه في هذا المقال. سنُوضِّح بالتفصيل دور البرمجة في تعزيز الإبداع و التفكير المنطقي ومهارات حل المشكلات عند الأطفال، علاوةً على محو أميتهم الرقميّة وضمان مكان لهم في سوق العمل في اقتصاد قائم على التكنولوجيا!
أهميّة تعليم البرمجة للأطفال
إذا كُنت لا تزال غير مُتأكِّد بشأن جدوى تعليم البرمجة لطفلك، ففيما يلي 6 أسباب ستُشجعك على أخذ هذه الخطوة:
1. تنمية مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي
نظرًا لأنّ البرمجة تتضمَّن تقسيم المُشكلات المعقدة إلى مشكلات أصغر ثم التوصُّل إلى حلول لهذه المشكلات، فإنّها تتطلَّب من الأطفال التفكير بشكل منطقي ومنهجي مما بدوره سيُساعدهم على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
على سبيل المثال، عند برمجة لعبة بسيطة، يتعلَّم الأطفال تقسيم هذه المُهمَّة إلى مهام فرعيَّة أصغر مثل إعداد بيئة اللعبة، وتحديد حركات اللاعب، ووضع قواعد اللعبة، مما يُعزِّز طريقة التفكير المنهجيَّة. بالإضافة إلى ذلك، تُعد الأخطاء جزءًا لا مفر منه في البرمجة، حيث تتطلّب تجربة حلول متعددة قبل العثور على الحل الصحيح. وبالتالي، من خلال تعليم البرمجة للأطفال فإنّك تُعزِّز من قدرتهم على استكشاف المُشكلات وإصلاحها.
طبقًا لإحدى الدراسات التي أُجريت عام 2013 على أطفال تتراوح أعمارهم بين خمس وست سنوات، عندما يبدأ الأطفال في تعلُّم البرمجة، فإنَّ فرصهم لتطوير المفاهيم الرياضيَّة ومهارات حل المشكلات والتفكير النقدي تُصبح أكبر بكثير مقارنةً بالأطفال الذين لم يتعلّموا البرمجة.
وعليه، حتى لو كان طفلك لا يرغب في الانخراط في مجال البرمجة كمهنة فيما بعد، فإنَّ ممارسة البرمجة في وقتٍ مُبكِّر من العمر ستُساعده على بناء مهارات معرفيَّة ستستمر معه طوال حياته. وهذا بدوره رد كافٍ على سؤال لماذا يجب تعليم البرمجة للأطفال!
اقرأ أيضًا: الأجهزة الذكية والأطفال: الموازنة بين الفوائد والمخاطر
2. تنمية الإبداع والابتكار
لا شكّ أنّ الإبداع يُعد مهارةً حياتيّة يهتم بها جميع الآباء ويحرصون على إكسابها لأطفالهم، وهنا يأتي دور البرمجة! فتعليم البرمجة للصغار له مزايا عديدة تتجاوز المهارات التقنيّة، ومن أهمها تعزيز الإبداع والابتكار.
من خلال البرمجة، يتم حث الأطفال باستمرار على التجربة. وبمُجرَّد فهمهم للوظائف الأساسيَّة، يمكنهم أن يسألوا أنفسهم باستمرار، “ماذا لو جربت ذلك؟”، “هل سينجح هذا؟” وعندما يبدأ الأطفال في تعلُّم البرمجة، يُصبح لديهم الحريَّة في استخدام قدراتهم الإبداعيَّة للتوصل إلى حلول فريدة للمشاكل أو لإنشاء برامج أو تطبيقات جديدة.
على سبيل المثال، تتضمّن تجربة تعليم البرمجة للأطفال تصميم الرسوم المُتحركة وإنشاء القصص، حيث تُتيح لهم البرمجة إضفاء الحيويَّة على هذه القصص بأي طريقة يرغبون فيها. في الواقع، تُتيح لهم الأنظمة الأساسيَّة مثل Scratch إنشاء قصص وألعاب ومُحاكاة متحركة، وهو الأمر الذي يُشجِّعهم على التفكير بشكل إبداعي في تطوير الشخصيّات، والتصميم المرئي، وغيرها.
أضف إلى ما سبق أنّ العديد من منصات تعليم البرمجة للأطفال تُشجِّع على مشاركة المشاريع والتعاون مع الأطفال الآخرين. تُثير هذه البيئة التعاونيَّة روح الابتكار، حيث يتعرَّض الأطفال لوجهات نظر وأفكار متنوعة، مما بدوره يُوسّع من آفاقهم مع كل فكرة جديدة يستقبلونها من زملائهم.
اطّلِع أيضًا: أفضل كتب الأنشطة لمساعدة أطفالك على تنمية مهارات القراءة والكتابة والمزيد!
3. تنمية المثابرة والتصميم
أثناء تعلُّم البرمجة، غالبًا ما يواجه الأطفال أعطالًا في الكود الذي يكتبونه تمنعهم من تشغيله على النحو المطلوب. وقد يقضون اوقاتًا طويلة في محاولة استكشاف الجزء التي تسبَّب تحديدًا في تعطيل الكود عن العمل. وبالتالي، تُعلِّمهم هذه الرحلة الطويلة والشاقّة من اكتشاف الأخطاء التحلي بالمثابرة والتصميم من أجل إجراء التعديلات اللازمة وتشغيل الكود في النهاية.
ولأنّ مشاريع البرمجة تتضمَّن خطوات طويلة ومراحل متعددة، فإنّها تتطلَّب جهدًا متواصلاً ووقتًا طويلًا. سواءً كان ذلك عند إنشاء لعبة أو موقع ويب أو تطبيق على الهاتف المحمول، يقضي الأطفال الكثير من الوقت مُنصبِّين على المشروع الذي يعملون عليه، وبالطبع لا يوجد أفضل من ذلك لتعليمهم الحفاظ على التركيز والمثابرة، حتى عندما تبدو المُهمَّة شاقة وطويلة.
قد تلاحظ أنّ الكثير من الأشخاص من حولك يستسلمون بسهولة للفشل ويفقدون طاقتهم بسرعة، وهو الأمر الذي يُمكنك مساعدة أطفالك على تجنُّبه عندما يكبرون من خلال تعليمهم البرمجة! تُوفِّر البرمجة بيئة آمنة للأطفال للتجربة والتعلُّم من الفشل. عندما لا يعمل الكود الخاص بهم كما كان مُتوقَّعًا، فلا يُمكنهم الانسحاب ببساطة وترك كل ما قاموا ببنائه! وبالتالي، يُعلمهم هذا الأمر أنَّ الفشل ليس النهاية بل هو جزء أساسي من رحلة التعلُّم، مما يغرس فيهم روح التصميم والمثابرة.
علاوةً على ذلك، ينطوي تعليم البرمجة للأطفال على الكثير من الأهداف، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة. كل سطر من الكود المكتوب، وكل خطأ تم إصلاحه، وكل مشروع مُكتمل هو خطوة نحو هدف أكبر. وبالتالي، تُعلِّمهم هذه السلسلة المُستمرة من الأهداف العمل باستمرار لتحقيقها، وتُكسبهم روح المثابرة والالتزام طوال الرحلة.
اقرأ أيضًا: أساليب التربية الحديثة: كيف تربّي أطفالك بذكاء؟
4. تنمية الاهتمام بالتفاصيل
يُعد الاهتمام بالتفاصيل أمرًا بالغ الأهميَّة في البرمجة، حيث إنَّ الأخطاء البسيطة يمكن أن تتفاقم وتؤدي إلى مشكلات كبيرة في وظائف البرنامج. جميع لغات البرمجة لها قواعد بناء مُحدَّدة يجب اتباعها بدقة، وقد يؤدي وجود حرف واحد في غير موضعه إلى فشل البرنامج بأكمله. وبالتالي، فإنَّ هذه الدرجة من الدقّة تُعلِّم الأطفال الاهتمام الشديد بالتفاصيل أثناء التأكُّد من صحة كل عنصر من عناصر الكود الخاص بهم.
مرةً أخرى، نعود إلى عمليّة اكتشاف الأخطاء وتصحيحها. عند حدوث أي أخطاء، يجب على الأطفال مراجعة الكود بالكامل بعناية لتحديد المشكلة وإصلاحها. قد تكون المُشكلة مُجرّد فاصلة منقوطة موضوعة في غير مكانها الصحيح، وبالتالي فإنّ اكتشافها يحتاج إلى تركيز شديد واهتمام كبير بالتفاصيل. وعليه، فإنّ تعليم البرمجة للأطفال يُعزِّز من قدرتهم على ملاحظة الأخطاء الصغيرة وتصحيحها.
بالإضافة إلى ما سبق، غالبًا ما تتضمَّن كتابة الأكواد إنشاء هياكل معقدة، مثل الحلقات والشروط والدوال، والتي يجب أن تتكامل مع بعضها بسلاسة. لإنشاء هذه الهياكل وضمان عملها معًا بشكلٍ صحيح، يجب أن يقوم الطفل بعمل تخطيط تفصيلي وتنفيذ دقيق للوصول إلى النتيجة المطلوبة.
استثمر في تعليم طفلك مع حقائبنا التعليميَّة الممتعة والمفيدة
5. محو الأميّة الرقميّة
محو الأمية الرقمية هو مصطلح واسع يشير إلى قدرة الشخص على فهم التكنولوجيا والتعامُل معها سواءً في حياته المهنيّة أو الشخصيّة. تخيّل شخصًا لا يُجيد استخدام الكمبيوتر، هل سيكون له مكان في سوق العمل الحالي؟ ومنذ عشرات السنوات، كان الناس ينظرون إلى تعلُّم مهارات الكمبيوتر كما ننظر إلى تعلُّم البرمجة اليوم!
بجانب المهارات الناعمة الي يكتسبها الأطفال من تعلُّم البرمجة مثل مهارات حل المشكلات والتفكير النقدي والإبداع والتحلي بالمثابرة والاهتمام بالتفاصيل، فإنّهم أيضًا يتجهزون لمستقبل قائم على مهارات البرمجة. كما هو واضح، تُحيط التكنولوجيا بنا من كل مكان، بدءًا من الهواتف الذكيَّة وحتى وسائل النقل والرعاية الصحيََّة، وتتداخل مع وظائفنا ومهامنا اليوميّة، وتدعم كل صناعة تقريبًا في الاقتصاد.
وفي العالم الحديث، لا تقل القدرة على فهم التكنولوجيا والتعامل معها أهميةً عن تعلُّم القراءة والكتابة والحساب. ومع استمرار تطور الأتمتة والذكاء الاصطناعي، أصبحت مهارات البرمجة حاسمة في العديد من الصناعات. وحتى الوظائف غير التقنيَّة أصبحت تتطلَّب بشكل متزايد مستوى معينًا من المعرفة الرقميَّة، والتي غالبًا ما تتضمن مهارات البرمجة الأساسيَّة.
وعلى الرغم من أنَّ البرمجة لم تصل بعد إلى الواجهة كضرورة يوميَّة يجب أن يُتقنها الجميع، إلّا أنّه من المُتوقّع أن تصبح كذلك في غضون سنوات قليلة. وبالتالي، يبدو من المعقول مقارنة نظرتنا إلى البرمجة الآن بنظرتنا إلى استخدام الكمبيوتر والإنترنت منذ سنوات.
كدليلٍ على ذلك، تقوم العديد من أنظمة التعليم حول العالم بدمج البرمجة في مناهجها الدراسيَّة، حيث جعلت دول مثل إستونيا وفنلندا البرمجة جزءًا إلزاميًا من التعليم، إدراكًا لأهميَّتها في العصر الحديث.
اقرأ أيضًا: تربية ذكية: أسرار تنمية مهارات طفلك وتعزيز قدراته
6. ضمان مكان في سوق العمل
في سوق العمل سريع التطوُّر، أصبحت البرمجة أحد المهارات التي لا غنى عنها. فتعليم البرمجة للأطفال لا يُزودهم بمجموعة من المهارات الناعمة فحسب، بل يؤهلهم أيضًا لمجموعة واسعة من الفرص الوظيفيَّة ذات الرواتب الكبيرة. على سبيل المثال، تُعد صناعة التكنولوجيا واحدة من أسرع القطاعات نموًا، مع وجود طلب مستمر على المُوظّفين المهرة في تطوير البرمجيات وعلوم البيانات والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والمزيد. وتعتبر مهارات البرمجة أساسيَّة لهذه الأدوار، مما يجعلها أحد أهم المهارات المطلوبة في سوق العمل.
ولا تقتصر البرمجة على قطاع التكنولوجيا فحسب، بل تتطلَّب العديد من القطاعات – بما في ذلك التمويل والرعاية الصحية والتصنيع والتعليم – مهارات البرمجة للأدوار التي تشمل تحليل البيانات والأتمتة والحلول الرقميَّة.
وفي ظل اجتياح الذكاء الاصطناعي لسوق العمل وتصاعد إحتمالات إزاحته للكثير من الوظائف، يظل العاملون في الوظائف التي تتطلَّب مهارات البرمجة أقل عرضةً لخطر الاستبدال مما يوفر قدرًا أكبر من الأمان الوظيفي. ومع ظهور مجالات جديدة مثل التعلُّم الآلي، وإنترنت الأشياء، وغيرها، يزداد الطلب على مهارات البرمجة كل يوم.
اطّلِع أيضًا: زين غرف أطفالك واجعل التعلم ممتعًا مع جداولنا التعليمية الملونة
أفضل مواقع تعليم البرمجة للاطفال
والآن، إذا أخذت قرارك بالبدء في تعليم طفلك البرمجة وكنت تبحث عن كورس برمجة للاطفال مجانا، ففيما يلي قائمة بأفضل مواقع تعليم البرمجة للاطفال:
الأطفال من عمر 8 إلى 10 سنوات
- موقع Blockly
- موقع Code Combat
- موقع Stencyl
- موقع Code Studio
- موقع Scratch
الأطفال من عمر 11 إلى 13 سنة
- موقع App Inventor
- موقع Code Monster
- موقع Kodu Game Labs
الأطفال من عمر 14 إلى 18 سنة
- موقع Glitch
- موقع Codecademy
- موقع Codewars
- موقع Khan Academy
- موقع Crunchzilla
اقرأ أيضًا: 10 كتب يجب أن يقرأها طفلك لتنمية عقله وشخصيَّته!
أفضل تطبيقات تعليم البرمجة للاطفال
إذا كُنت ترغب في أن يكون كورس تعليم البرمجة للاطفال من خلال الهاتف، ففيما يلي قائمة بأفضل تطبيقات الهاتف المحمول لتعليم البرمجة للأطفال:
الأطفال من عمر 5 إلى 10 سنوات
- تطبيق ScratchJr
- تطبيق Code Karts
- تطبيق Daisy the Dinosaur
- تطبيق Everything Machine
الأطفال من عمر 11 إلى 13 سنة
- تطبيق Hopscotch
- تطبيق Swift Playgrounds
- تطبيق Cozmo Code Lab
الأطفال من عمر 14 إلى 18 سنة
- تطبيق Robozzle
- تطبيق Mimo
- تطبيق Human Resource Machine
- تطبيق Codea
اغرس حب القراءة مبكرًا في طفلك مع كتب التعليم المبكر ورياض الأطفال
في الختام، يُعد تعليم البرمجة لاطفالك استثمارًا مضمونًا لمُستقبلهم. فمع استمرار التكنولوجيا في تشكيل كل جانب من جوانب حياتنا، أصبحت مهارات البرمجة مطلوبةً الآن أكثر من أي وقتٍ مضى. أضف إلى ذلك أنَّ تعليم البرمجة للأطفال لا يُزودهم بالقدرة على فهم التكنولوجيا فحسب، بل يُعزِّز أيضًا التفكير النقدي ومهارة حل المشكلات والإبداع لديهم.
ومن خلال تشجيع طفلك على تعلُّم البرمجة، فإنك تساعده على تطوير مجموعة من المهارات الأساسيّة التي لا غنى عنها للنجاح في عصرنا الرقمي والوصول إلى فرص وظيفيّة قيّمة في عالم سريع التطوُّر.
وأنت ماذا عنك؟ هل لديك تجربة سابقة في تعليم البرمجة لطفلك؟ هل كان الأمر مُمتعًا، وهل أتى بثماره في النهاية؟ شاركنا بتجربتك في التعليقات. وأخيرًا، لا تنسَ الاشتراك في مُدونتنا ليصلك كل ما هو مُفيد ومُمتع من مقالاتنا التي ستكون بمثابة دليلك لمعرفة كل ما هو جديد في عالم تربية وتعليم الأطفال.
المصادر: ischooltech، techbootcamps، codewizardshq، create-learn