هل سبق لك أن توقَّفت للتفكير في أسلوب تربيتك لطفلك؟ لا شكّ أنّك ترغب في أن يكون طفلك أفضل شخص بالعالم، ولكن هل تعتقد حقًا أنَّ النهج الذي تتبعه في التربية هو النهج المثالي؟ إذا كُنت غير مُتأكد من مدى صحّة أسلوبك في التربية، فأنت لست وحدك! فغالبًا ما يواجه الآباء صعوبة في تحديد الأسلوب الذي يجب أن يتبعوه لتربية أطفال أسوياء وناجحين.
ومع ظهور الكثير من التحديّات الأخلاقيّة والتربويّة في القرن الحادي والعشرين، أصبح الآباء يبحثون عن استراتيجيَّات جديدة ومُناسبة لطبيعة العصر لتلبية الاحتياجات الفريدة لأطفالهم وتعزيز تطوُّرهم العقلي والنفسي. اعتمادًا على الأبحاث العلميّة، وبالنظر إلى المعايير المُجتمعيَّة المُتغيرة، وفهم الطبيعة النفسيّة للأجيال الجديدة، قدّم خبراء التربية منظورًا جديدًا حول تربية الأطفال، وأتوا بما يُعرف بأساليب التربية الحديثة.
لذا، إذا كان سؤال “ما هو نوع الوالد الذي أريد أن أكونه؟” يخطر على بالك باستمرار، فإنّ هذا المقال هو من أجلك! سنتعمَّق في هذا المقال في عالم التربية الحديثة، ونستكشف مجموعة من الأساليب التي ظهرت في السنوات الأخيرة، والتي تعكس فهمًا عميقًا لنمو الأطفال، وتعترف بأصواتهم واستقلاليَّتهم.
ما هي التربية الحديثة؟
التربية الحديثة هي نهج مُعاصر لتربية الأطفال يأخذ في الاعتبار بعض تعقيدات مجتمعنا الحالي، بما في ذلك التقدُّم التكنولوجي، وتغيير المعايير الثقافية، وانفتاح الأطفال على مفاهيم جديدة، ويُراعي قواعد علم النفس الحديث لنمو الطفل. إنَّ هذا النوع من التربية ينطوي على الابتعاد عن النماذج التقليديَّة والتلقين ويعتمد على الأساليب التي تعطي الأولويَّة للتعاطف والتواصُل والمرونة في التربية.
من وجهة نظر التربية الحديثة، فالأطفال هم أسياد قرارهم، وتتمثَّل مهمة الوالدين ببساطة في مُساعدة الطفل وتوجيهه على اتّخاذ القرار وتعليمه الصواب والخطأ وتركه ليُنفّذ ما تعلّمه دون فرض أي نوع من السيطرة أو الإجبار عليه. هذا لا يعني أنّه ليس هناك حدود للطفل، ولكن عادةً ما تكون هناك حريَّة ضمن هذه الحدود، بمعنى أنّ الحدود والمبادئ التوجيهيَّة واضحة، ولكن يُسمح للأطفال في النهاية بارتكاب أخطائهم والتعلُّم منها.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى مناهج التربية الحديثة إلى اتِّباع نهج موثوق في التربية يُحقِّق التوازن الصحيح بين الاستعداد للعالم الحقيقي من ناحية وخلق رابطة عاطفيَّة قويَّة تقوم على الحب والاحترام بين الآباء والأطفال من ناحية أخرى.
أساليب التربية الحديثة
إنَّ استراتيجيات التربية الحديثة مُتنوِّعة، حيث إنّ لكل أسلوب من هذه الأساليب تأثيرات مُختلفة على سلوك الأطفال، ويُمكن تحديده من خلال خصائص معينة. لذلك، يجب تطبيق الأسلوب الذي يتناسب مع شخصيّة كل طفل، فما قد يُجدي نفعًا مع طفل قد لا يُجدى مع آخر. وفيما يلي أشهر أساليب التربية الحديثة، والتي تتناسب مع مُختلف الأطفال باختلاف طبائعهم:
1. التربية المُتساهلة
يتميّز أسلوب الأبوَّة والأمومة المُتساهلة بمستويات عالية من الدفء والتعاطف من جانب الوالدين بالإضافة إلى مستويات مُنخفضة من السيطرة وإعطاء الأوامر. في الأبوة والأمومة المُتساهلة، يقوم الآباء برعاية أطفالهم بمنتهى الحب والاهتمام ولكنَّهم في نفس الوقت يميلون إلى أن يكون لديهم القليل من التوقُّعات.
بالإضافة إلى ذلك، يحرص الآباء على أن يكونوا أصدقاءً لأطفالهم بدلًا من اتّباع دور الوصاية الأبويّة، حيث يسمحون لأطفالهم بفعل ما يريدون ويُقدِّمون توجيهًا محدودًا. وغالبًا ما يرتبط أسلوب التربية هذا بنهج أكثر تساهلاً فيما يتعلّق بالانضباط، مما يمنح الأطفال قدرًا كبير من الحرية في اتخاذ قراراتهم الخاصَّة واستكشاف اهتماماتهم دون توجيهات أو عواقب صارمة.
وفيما يلي بعض الخصائص والصفات الأساسيَّة حول التربية المُتساهلة:
- استجابة عالية لمُتطلبات الطفل النفسيّة، مع إعطاء أقل عدد مُمكن من الأوامر والتعليمات.
- التواصل مع الطفل بشكلٍ مُنفتح والنظر إليه كشخصٍ بالغ، مع السماح له عادةً باتِّخاذ القرار بنفسه، بدلاً من إعطاء التوجيهات.
- عدم وضع قواعد صارمة، وإذا تم وضعها فعادةً ما يكون هناك بعض المرونة بشأن تنفيذها مع لفت نظر الطفل إلى أهميّة تنفيذ ما قاموا بالاتِّفاق عليه من قبل.
- بذل جهود كبيرة للحفاظ على الصحّة النفسيّة للطفل وإبقائه سعيدًا وواثقًا بذاته.
2. التربية الحازمة
تُعتبر الأبوَّة والأمومة الحازمة واحدة من أكثر أساليب التربية الحديثة فعاليَّة وإفادة، حيث تجمع بين مُستويات عالية من الاستجابة والتعاطف تجاه الطفل إلى جانب وضع مجموعة من الحدود والتوقُّعات الواضحة من الطفل. في هذا الأسلوب، يُوفِّر الآباء الحازمون التوجيه اللازم بينما يقومون أيضًا برعاية استقلاليَّة أطفالهم واعتمادهم على ذواتهم. بمعنى أنّهم يُوجِّهون أطفالهم من خلال مُناقشات مفتوحة وليس من خلال إعطاء الأوامر المُباشرة.
وغالبًا ما يرتبط هذا الأسلوب بنتائج إيجابيَّة من حيث التطوُّر النفسي والعاطفي والاجتماعي للأطفال، حيث يميل الأطفال الذين يتعرّضون لهذا الأسلوب من التربية الحديثة إلى الانضباط الذاتي، كما يُمكنهم التفكير بأنفسهم في قراراتهم ومُراجعة أخطاءهم بمفردهم.
وفيما يلي بعض الخصائص والصفات الأساسيَّة للتربية الحازمة:
- استجابة عالية لمُتطلبات الطفل النفسيّة، وفي نفس الوقت إعطاء الأوامر والتعليمات.
- وضع قواعد وتوقُّعات واضحة لأطفالهم مع التحلي بالمرونة والتفاهُم.
- التواصل مع الأطفال بشكلٍ مُتكرِّر، والاستماع إلى أفكار أطفالهم ومشاعرهم وآرائهم وأخذها بعين الاعتبار.
- تقبُّل حدوث إخفافات طبيعيَّة من جانب الطفل (على سبيل المثال، فشل الطفل في الاختبار عندما لا يدرُس)، ولكن في نفس الوقت استخدام هذه الفرص لمُساعدة الطفل على التفكير والتعلُّم من الأخطاء.
3. التربية الإيجابيَّة
تُركّز التربية الإيجابيّة على تعزيز السلوكيات الإيجابيَّة لدى الطفل من خلال التشجيع والتعاطف والتواصُل البنَّاء، بدلاً من الاعتماد على العقاب أو التخويف، كما تنطوي على بناء علاقة إيجابيّة بين الوالدَين والأطفال. وتتمثّل التربية الإيجابيَّة كذلك في مبادئ الاحترام المُتبادل والتفاهُم والتعاون بين الآباء والأطفال، بهدف تربيتهم على القيم السليمة وفي نفس الوقت تعزيز احترام الذات لديهم.
وفيما يلي بعض الخصائص والصفات الأساسيَّة حول التربية الإيجابيَّة:
- إعطاء الأولويَّة لبناء علاقة عاطفيَّة عميقة بين الوالدين والأطفال، حيث يسعى الآباء جاهدين لفهم مشاعر أطفالهم والمُحافظة عليها.
- مدح ومكافأة الطفل على السلوكيَّات المرغوبة لتشجيعه على تكرارها وتحفيزه على مُواصلة اتِّخاذ الخيارات الجيدة.
- الاهتمام بتجارب الأطفال ووجهات نظرهم ورؤية العالم من خلال عيونهم، والاعتراف بمشاعرهم واحتياجاتهم واهتماماتهم.
- في حين أنَّ التربية الإيجابية تُؤكِّد على الدفء والدعم، فإنَّها تتضمن أيضًا وضع توقُّعات وحدود واضحة للسلوك. لذلك، يقوم الآباء في هذا الأسلوب من التربية بوضع القواعد بطريقة واضحة، مما يُساعد الأطفال على فهم ما هو مُتوقَّع منهم، مع الحفاظ على الشعور بالأمن والاستقرار لديهم.
- التركيز على نقاط القوة لدى الأطفال والبناء عليها بدلاً من التركيز فقط على نقاط الضعف. وبذلك، يُساعد الآباء الأطفال على التعرُّف على مواهبهم واهتماماتهم وقدراتهم الفريدة، مما يعزز الشعور بالثقة بالنفس وتقدير الذات لديهم.
- التواصل العاطفي مع الأطفال وتعزيز شعورهم بالاستقلاليّة بدلًا من التحكُّم في سلوكهم أو استخدام القوة والسلطة لإجبارهم على الامتثال للأوامر، وبالتالي يتعلّم الأطفال اتِّخاذ القرارات مُسترشدين بقيمهم ومبادئهم الخاصَّة.
4. التربية التعاونيّة
التربية التعاونيَّة هي أسلوب تربوي يُركِّز على إشراك الأطفال في عمليات صنع القرار، وحل المشكلات، وتعزيز الشعور بالاستقلاليَّة والمسؤوليَّة. بمعنى آخر، يعترف هذا الأسلوب بالطفل كمشارك نشط في عملية التربية ويعطيه شيئًا من التحكُّم في حياته الخاصّة ويُشجِّع الشراكة بين الوالدين والأطفال. وفيما يلي بعض الجوانب الرئيسيَّة للتربية التعاونية:
- الحفاظ على التواصُل الفعّال بين الآباء والأطفال، حيث يستمع الآباء باهتمام إلى وجهات نظر أطفالهم ويُشجِّعونهم على التعبير عن أنفسهم بحرية. يُساهم هذا الأمر في تقوية شخصيّة الطفل بشكلٍ كبير، ويدفعه إلى فعل الصواب عن اقتناع وليس لمُجرّد الخوف من العقاب.
- إشراك الأطفال بنشاط في المهام المنزليَّة، مثل الطبخ والتنظيف، وزيادة مسؤوليَّاتهم تدريجيًا مع تقدُّمهم في السن. وهذا بدوره سيُساعد الأطفال على تطوير المهارات الحياتيَّة الأساسية، والشعور بأنَّهم ذوو قيمة في الأسرة.
- تعزيز احترام كل فرد من أفراد الأسرة بما في ذلك الطفل، والتأكيد على أنّ الأطفال لديهم أفكار ومشاعر صحيحة، وبالتالي تشجيع الآباء على معاملة أطفالهم باحترام. يتضمَّن ذلك تجنُّب التقليل من أفكارهم وآرائهم أو رفضها، والاعتماد على مُناقشة الطفل حول صحّة أفكاره.
- تعزيز استقلاليَّة الطفل من خلال توفير الفرصة له لاتِّخاذ القرارات وتحمُّل المسؤوليات، في ظل إشراف الوالدين ومُتابعتهما. يُمكن أن يشمل ذلك السماح للأطفال بأن يكون لهم رأي في روتينهم اليومي أو أعمالهم المنزليَّة، وهو الأمر الذي يُطوّر من ثقة الطفل بنفسه وقدرته على اتّخاذ القرار.
5. التربية بالارتباط
تؤكّد التربية بالارتباط على أهميَّة إنشاء رابطة عاطفيَّة قويَّة بين الوالدين والأطفال، وهي تعتمد على مبادئ نظرية التعلُّق، التي تشير إلى أنَّ الارتباط الآمن بين الأطفال والآباء هو أمر ضروري للنمو العاطفي والاجتماعي للطفل.
تُركِّز التربية بالارتباط على رعاية احتياجات الأطفال العاطفيَّة والاستجابة لها، وتعزيز التقارب الجسدي مثل الاحتضان لخلق شعور بالترابط الآمن عند الطفل. بهذه الطريقة، يضمن الآباء تعلّق الأطفال التام بهم، مما بدوره يضمن سهولة توجيههم إلى السلوكيّات الجيدة فيما بعد.
فيما يلي بعض الخصائص والصفات حول التربية بالارتباط:
- الاستجابة السريعة والمُستمرة من الآباء لإشارات أطفالهم واحتياجاتهم، حيث يتضمَّن ذلك مراقبة أي تغييرات في تعبيرات وجه الطفل، وتوفير الدعم النفسي والطمأنينة له في الوقت المناسب.
- التقارب الجسدي بين الوالدين والأطفال، خاصةً أثناء مرحلة الطفولة المبكرة. تُعد المُمارسات مثل العناق والتقبيل والاحتضان أثناء النوم أمورًا أساسيّة في التربية بالارتباط، حيث من شأنها أن تُعزِّز الترابط العاطفي بين الوالدين والطفل.
- حضور الوالدين ومُشاركتهم بشكلٍ كامل في حياة الأطفال. فلا يكفي الترابط العاطفي وإجراء الحديث مع الطفل بشأن شعوره فحسب، ولكن يجب مُشاركته أيضًا في تفاصيل حياته، مما يُوفِّر قاعدة آمنة يمكن للأطفال من خلالها استكشاف العالم والتعرُّف عليه.
- احترام احتياجات الطفل وتفضيلاته الفرديَّة، من خلال فهم طبيعة ومزاج الطفل وشخصيَّته وتكييف مُمارسات الرعاية الأبويّة وفقًا لذلك.
ختامًا، صحيحٌ أنَّ الأبوَّة والأمومة في العصر الحديث تأتي مع مجموعة كبير من التحديَّات، ولكن مع اتّباع الأساليب التربويّة الفعَّالة يُمكن للوالدين التغلُّب على هذه التحديَّات وتنشأة أطفالهم التنشأة المثاليّة.
أثناء استكشافنا لأساليب التربية الحديثة، رأينا أهميَّة كل أسلوب منها وكيف يُمكن لكل أسلوب أن يؤثّر على الطفل بطريقةٍ مُختلفة. وعلى الرغم من عدم وجود نهج واحد يُناسب الجميع في تربية الأبناء، فإنَّ هذه الأساليب الحديثة تهدف إلى تسليط الضوء على مجموعة مُتنوِّعة من الطرق التي يُمكن للوالدين مراعاتها والجمع بينها للوصول إلى التربية المثاليّة الخاصّة بهم.
أخبرنا في التعليقات عن الأسلوب التربوي الذي تُفضله لتربية طفلك، وما هي النصائح التي قد ترغب في تقديمها للآباء الجُدد. وأخيرًا، لا تنسَ الاشتراك في مُدونتنا ليصلك كل جديد من مقالاتنا.
المصادر: cnbc، gottman، health.ucdavis، ddsmlaw، webmd